تمثّل شخصية المربّي القدوة محورًا أساسيًا في بناء الإنسان، وتشكيل وعيه، وتوجيه سلوكه. ويُعدّ المربّي منصور التركي – رحمه الله نموذجًا تربويًا؛ لما اتّسمت به سيرته من قيم راسخة وممارسات عملية تركت أثرًا بالغًا في نفوسنا. وتأتي هذه السطور لإبراز أهم الصفات التربوية التي شكّلت ملامح شخصيته:
أولًا: القيم الروحية والإنسانية في شخصيته: اتسم المربّي الراحل بمنظومة قيمية مستمدة من الهدي النبوي، ظهرت في سلوكه وتعامله اليومي. فقد شكّلت حكمته ولطفه مصدر إلهام مستمر لأسرته، كما رسّخ في نفوس أبنائه مبدأ العيش بطمأنينة اللحظة وجعل يومك هو عيدك بل ساعتك هو عيدك، كما كان من ثوابته التربوية الصدق في كل موقف، مهما كان حجم الموضوع أو حساسيته، استنادًا إلى قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، فغرس في أبنائه أن الصدق ليس خُلُقًا فحسب، بل هو منهج حياة، وأساس الاستقامة، وجوهر بناء الثقة مع النفس والآخرين.
ثانيًا: التواضع وتقبّل النقد: قدّم رحمه الله نموذجًا عمليًا في التواضع، إذ كان يعتبر أن تقبّل النقد جزء من الشخصية التربوية الناضجة، وأنه لا ينتقص من مكانة المربّي، بل يعزّز احترام الآخرين له. وقد شجّع أبناءه على مصارحته بآرائهم؛ مما أسهم في بناء علاقة أسرية قائمة على الصراحة والثقة.
ثالثًا: القوة بوصفها مودة ورحمة: كان منهجه التربوي قائمًا على مبادئ الرحمة، بعيدًا عن القسوة ،وقد استند في ذلك إلى السيرة النبوية التي تجمع بين الحزم والرفق، مؤكدًا أن النتائج التربوية الحقيقية تُبنى على المحبة والاحتواء العاطفي، لا على القهر أو التخويف.
رابعاً: منهج التشجيع والتعزيز الإيجابي: على الرغم من فراسته في فهم الشخصيات، إلا أنه كان يعتمد أسلوبًا تربويًا دقيقًا في تعزيز السلوك الإيجابي، من خلال المتابعة الهادئة لأبنائه، والثناء العلني على السلوكيات الحسنة، بهدف تعزيز الثقة بالذات، وتوجيه الأبناء نحو السلوك المرغوب دون ضغط أو إجبار.
خامساً: خامساً: التربية على البرّ وتحمل المسؤولية: لم يكن البرّ عنده قيمة نظرية تُلقَّن، بل كان نهجًا عمليًا يعيشه ويُجسّده أمام أبنائه ليكونوا على خطاه. فقد حرص على أن يشاركوه الأعمال اليومية ويتحملوا مسؤولياتهم، ليترسّخ فيهم مفهوم البرّ بوصفه ممارسة واعية لا مجرد واجب أخلاقي، وقد غرس في نفوسهم قيمة مقابلة الإساءة بالإحسان، امتثالًا لقوله تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]وهي آية تبيّن أن الإحسان في مواجهة الإساءة يُطفئ نار العداوة، ويحوّل القلوب إلى مودة ورحمة.
سادساً: التأني والتريث: كان – رحمه الله – يؤمن بأهمية التريث في اتخاذ القرارات وعدم الانسياق للعجلة، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ وقد انعكس هذا النهج على أبنائه، ليصبح التأني جزءًا من سلوكياتهم اليومية، مما يعزّز القدرة على اتخاذ قرارات رشيدة ومتزنة.
إن استحضار هذه الملامح التربوية اليوم هو بمثابة استعادة لصفحة مضيئة من صفحات الذاكرة، ووقوفٌ أمام نموذج تربوي أسهم في تشكيل الوعي وصقل الشخصية بإذن الله. وتمثل هذه الممارسات قيماً يمكن الإفادة منها في ميدان التربية المعاصرة. وختامًا، فإن كان في هذه الملامح ما ينفع القارئ ويثري تجربته، فدعائكم للمربّي الراحل: أن يغفر الله له، ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، ويسكنه فسيح جناته.