جاءت بطولة الجيل القادم لرابطة محترفي التنس (Next Gen ATP Finals)، التي أُقيمت في جدة خلال الفترة من السابع عشر إلى الحادي والعشرين من ديسمبر، لتؤكد أن الرياضة السعودية تجاوزت مرحلة قياس النجاح بعدد الاستضافات أو كثافة الأحداث، وانتقلت بثقة وثبات إلى مرحلة تُقاس فيها القيمة بجودة التجربة وعمق الأثر واحترافية الإدارة. ولم يكن نجاح هذه النسخة لحظة عابرة، بل ثمرة عمل تراكمي يعكس احترافية المنظومة الرياضية.
فلم يعد السؤال اليوم: كم حدثًا نستضيف؟
بل كيف نُدير الحدث، وما القيمة والأثر اللذان يتركهما في ذاكرة الرياضة العالمية، وكيف تُقدِّم المملكة نفسها بوصفها فاعلًا يعيد صياغة التجربة الرياضية بأسلوب مختلف، وتفاصيل تُكتب في سجل الأحداث الكبرى.
ومن خلال متابعتي الميدانية وتغطيتي الإعلامية لمنافسات البطولة، بدت ملامح هذا التحول واضحة منذ اللحظات الأولى لانطلاق المنافسات. جاهزية المنشآت، دقة التنفيذ، وتكامل الجهود بين مختلف الجهات؛ مؤشرات لا تُبنى بالصدفة، بل تعكس جودة حوكمة تشغيلية واضحة، وانتقالًا واعيًا نحو إدارة الحدث ضمن منظومة متكاملة تضع جودة التجربة في صدارة الأولويات.
وبتواجدي في منصة الإعلاميين داخل الملعب، لفتني المستوى العالي من الاحترافية في إدارة العمل الإعلامي؛ تنظيم دقيق، وتدفّق سلس وواضح للمعلومات، وتنسيق متقن يعكس خبرة تنظيمية رفيعة ووعيًا عميقًا بأهمية الإعلام في صناعة الحدث. تجربة تستحق الإشادة، وتعكس صورة منظومة تدرك أن جودة التفاصيل هي أساس نجاح الحدث.
ويرتبط هذا النجاح بشكل مباشر بالدور المحوري الذي تقوم به وزارة الرياضة، ضمن إطار مؤسسي منظم ورؤية تنفيذية تتجاوز إنجاح بطولة واحدة، نحو ترسيخ نموذج تشغيلي مستدام لإدارة الأحداث الرياضية، يقوم على رفع كفاءة التشغيل، ونقل المعرفة التنظيمية، بما يُرسّخ مكانة المملكة كبيئة قادرة على استضافة الأحداث الكبرى بكفاءة واستمرارية.
كما عكست البطولة وعيًا متقدمًا بأهمية الأثر لا الحدث؛ إذ قُدِّمت المنافسات بوصفها جزءًا من منظومة أشمل تستهدف تطوير القطاع الرياضي، وتوسيع قاعدته، وتعظيم أثره الاقتصادي والسياحي، وانعكاساته المجتمعية، ضمن مسار طويل الأمد قائم على التخطيط والاستدامة.
ومع إسدال الستار على منافسات بطولة الجيل القادم لرابطة محترفي التنس، يتضح أن ما تحقق يتجاوز حدود حدثٍ واحد، ليعكس مرحلة جديدة في مسار الرياضة السعودية؛ مرحلة تُدار فيها البطولات كمنظومة متكاملة، تُقدَّم فيها الجودة معيارًا، وتتحول فيها الرؤية إلى ممارسة واقعية، كجزء من مشروع وطني متكامل.






