
مكة – وفاء الطيب
في بادرة تجسد معنى التبادل الثقافي بين الشعوب والدول، احتضن مركز الأديبة بثينة خضر مكي، بالتعاون مع مركز الفيصل الثقافي، تظاهرة ثقافية جميلة، حين أحيا ندوة أدبية، إحتفاء برواية “كانت سلاماً فقط” للروائي والمترجم السعودي د. عبدالله الطيب، يوم الأحد الماضي الموافق للخامس عشر من شهر أكتوبر الحالي في مدينة الخرطوم، عاصمة السودان الشقيق. شارك في الندوة مجموعة من الباحثين والمهتمين بعالم الرواية والأدب. كما شارك النادي السوداني للكتاب ممثلا في مديرة النادي الأستاذة مشاعر شريف، والتي كانت مقدمة الندوة، وتحدث فيها كل من الدكتور مصطفى الصاوي والأستاذ عز الدين ميرغني والأستاذ صديق الحلو.
في ورقته النقدية، قال الناقد والكاتب الصحفي صديق الحلو:
كانت سلاما فقط رواية عبدالله الطيب رواية بطلها عثمان سوداني حتي النخاع من جذور عربية يحمل تسامح الدنيا كلها بدين وسطي فيه من الطيبة والرجولة والتدين والكرم الكثير. لدي عبدالله الطيب الجرأة الدلالية واستخدام التضمينات دون مهابة. اللغة السردية ناصعة وبهية. وكما غزا مصطفي سعيد هايدبارك، هاهو عثمان السوداني بشموسه الحارقة يغزو ديار العرب. وهاهو عبدالله الطيب صور لنا مدينة الرسول الحبيب المصطفي وكأنها أمم متحدة، أناس من آسيا وأفريقيا وأوروبا. رواية محتشدة بالواقع والوقائع الصغيرة والأحداث، والبطل فيها مجموعة شخوص. “كانت سلاما فقط” رواية كما الحلم في طبقات، كل حلم يقودنا للآخر، وهكذا في تسلسل من الرؤي اللانهائية تعرفنا علي ماضي المدينة القريب، وتطور تاريخها وعالم الفقراء والمهمشين. هي رواية مغايرة نفسية ومباشرة، توثق لفترة زمنية بالمدينة المنورة والتي بها خليط إنساني فريد. لايمكن أن تنسي “كانت سلاما فقط” لأنها مليئة بالصور المتحركة وعالم المهمشين في الأطراف وعصابات الأطفال. عوالم شمس السودان المحرقة وانسانه النبيل كما عوالم جورج امادو في “اطفال الرمال”، ورواية “كل شيء هاديء في الحي الغربي” للالماني إريك ماريا ريمارك. الرواية مختلفة بسردها المتميز البديع وطعمها كما الانناس والباباي. الأبطال هم مجموعة شخوص تنغرز في المخيلة حتي النخاع ولابد أن تحبها حتي الثمالة، بكل البهاء والجمال والنبل. تأخذك الرواية في سياحة بالأماكن المقدسة من المدينة المنورة ومكة والدمام حتي أقاصي شرق الدنيا في الصين. وفي الرواية كثير من الرومانسية والوجدانيات والشعور بالحب. “تحت ضوء الفانوس المتسلق علي ملامح وجهيهما التقي عبق العودة الجامح في صدغية بلغز الحناء المثير في كتفيها وبين اهازيج شعرها الثائر علي شوق عمرها”. في الرواية، نجد أن الهموم المحلية قد صارت هماً إنسانياً، كمية من التراجيديا والاسي، وحيرة الشباب بين الاعتدال والذهاب مع الحركات الإرهابية، وتنازع الأنا مع الآخر. رواية عرت الراهن وصورت الواقع بتناقضاته. الهائلة. عبدالله الطيب كاتب واع لأوضاع مجتمعه ومابه من اشكاليات.
بدورها، قالت الأديبة السودانية بثينة خضر مكي، صاحبة مركز بثينة الثقافي، في مداخلتها:
لقد إخترنا رواية “كانت سلاما فقط” لتكون محور الندوة لأنها تمثل رؤية جديدة في الأدب، كما أن جزء منها يتحدث عن السودان حيث أحد أبطالها أتى من السودان. في وقت سابق، في وقت سابق عندما كانت هناك رسائل غادة السمان لغسان كنفاني، تحدث الجميع عن كيف يكون البطل ضعيفا، وكيف يكون مثل غيره من البشر، ونحن نضع عليه كل هذه الهالة من القدسية، لكن البداية كانت هي أنسنة الشهيد غسان. دكتور عبدالله الطيب يكتب عن أنسنة المكان، هذه المدينة التي تمثل لنا كمسلمين المكان المقدس الطاهر، مكان ننظر إليه برؤية عليا، دون أن نفكر أنه مكان جغرافي به أشخاص يعيشون مثل غيرهم من البشر.
كما تحدثت مقدمة الندوة مشاعر شريف عن الرواية ومحتواها، خاصة أن الرواية تتحدث عن المدينة المنورة، تلك البقعة الطاهرة والحبيبة إلى نفس كل مسلم، حيث تناول الكاتب جانب آخر غير الذي يعرفه ضيوف الرحمن عنها. أشادت الأستاذة مشاعر بالرواية قائلة:
هي رواية جميلة جدا، تستعرض تاريخ المدينة المنورة منذ الربع الأول من القرن العشرين إلى عصرنا الراهن. تستعرض الجانب الإنساني للمدينة وكل جوانبها من انتصارات وانكسارات.
مشاركة الباحثين والنقاد في هذه الندوة كان دليلا على تواصل مسيرة الثقافة حيث كان حضورهم تشجيعا مهما من أجل النهوض بأهمية الثقافة والإطلاع. كانت مشاركة النادي السوداني للكتاب ممثلة في مقدمة الندوة الأستاذة مشاعر شريف، شهد الندوة مجموعة من الرواد، وتعتبر هذه الرواية جسراً للتواصل الثقافي والأدبي بين المملكة العربية السعودية والسودان الشقيق، بما يخدم مصلحة البلدين الشقيقين. حظيت الرواية بتغطية تلفزيونية، حيث استعرضتها قناة الشروق السودانية في برنامج صباح الشروق الثلاثاء الماضي.
سوف تعلق هذه الرواية في الأذهان لأسباب كثيرة.. لكن سيتذكرها القراء على انها حفظت تراث المدينة المنورة الإنساني في سردية غير عادية، حرصت على لملمة كسر التاريخ الشخصي لكل فرد في الحارة المدينية، ورشق مصائرهم المتشابكة، في لوحة هائلة توسطها بطل الرواية “محسد” بمحبة فادحة .. ودون أن يأخذ فيها دور البطولة المطلقه.








