
قديمًا كان الشخص يتعلّم مهارة أو مهنة واحدة خلال فترة من الزمن، ويتطلب ذلك وقتًا كبيرًا ليتقنها، لكن هذه المهنة تكفيه حتى يتقاعد؛ لذلك وجد بما يُسمى بالمسار المهني ولكن في عصرنا الحالي والذي تميز بتقاطع التخصصات والتغيُّر السريع، وأيضًا عصر توافر المعلومات، أصبح من السهل تعلم المهارات واكتسابها. لكن بالمقابل أصبحت هذه المهارات لا تكفي إلا لوقت قليل ثم تكون غير مُجدية.
لذا كتب Cal Newport وعرف بما يُسمى Career Capital القدرة المهنية، وباختصار هي تقاطع لعدد من المهارات النادرة والقيَّمة، والتي تقاطعها يشكل قدرة مهنية لمن يمتلكها وتميزه عن غيره.
مثال: تجد شخصًا بدأ حياته كمهندس يعمل بالميدان ثم انتقل لإدارة المشاريع، ومن ثم أتته فرصه ليعمل بالمبيعات؛ فتجد لديه ميزة عن غيره من مختصي المبيعات لأنه يفهم المتطلب الفني والمدة الزمنية لتنفيذ المشروع؛ فيكون أقوى في طرحه وإقناعه للعميل.
مثال آخر: شخص تخرج بتخصص لغة عربية ثم تعلم كتابة المحتوى ثم أجاد في استخدام الأدوات الرقمية للدعاية والتسويق؛ فأصبح مميزًا عن من تخصصهم فقط لغة عربية أو من تخصصهم تسويق رقمي لما يملكه من ثراء في اللغة وقدرة في التعامل مع الأدوات الرقمية الحديثة.
هذا ما يُسمى بالقدرة المهنية، قديمًا كانت ظروف النمو الوظيفي والفرص المتاحة أو الاحتياج هي من تصنع اكتساب هذه المهارات أم الآن؛ فيمكن لمن يخطط بشكل جيد بأن يبدأ بوظيفة معينة وعينه على عدد من المهارات التي يعمل على إتقانها بشكل تدريجي، ليصل لعدد من المهارات النادرة والقيّمة التي تُشكل علامته التجارية في السوق قريبًا.
للوصول للقدرة المهنية هناك عدد من الخطوات يجب على الواحد اتباعها وأهمها Deliberate Practice ، والتي ترجمتها للتدريب الموجه أو الممارسة المركزة، وهي باختصار التدريب بشكل متكرر لإتقان مهارة معينة ومحددة، ومعرف بشكل جيد درجة الإتقان فيها.
هنالك عدد من الخطوات الأخرى مثل: العمل بعُمق والتي يجب على الإنسان أن ينغمس بالمهمة لفترة كافية تجعله ينفصل عن من حوله؛ ليتقن ما يقوم به والانفصال هنا ليس الجسدي إنما الذهني.
أيضًا الحصول على التغذية الراجعة بشكل متكرر ممن لديهم الخبرة، وكذلك الخروج من منطقة الراحة والبحث عن التقدم حتى لو وصلت لنتيجة مرضية مبدئيًا للبحث عن الأفضل من ناحية الجودة أو الكفاءة.
أخيرًا عملك اليومي يجب أن ينقسم لنوعين: عمل عميق يتطلب مهارات معينة وحضورًا ذهنيًّا وعمل سطحى غالبًا يكون تشغيليًّا وروتينيًّا. العمل العميق هو الذي يكسبك مهارات جديدة تكون -بإذن الله- سببًا للوصول لقدرات مهنية مميزة ونادرة. قسّم جدولك بشكل واضح تفرق فيه بين وقت الأعمال العميقة والأعمال السطحية، وتذكر بأن الله بارك لنا في صباحنا؛ فاجعل للعمل العميق من صباحك نصيبًا.