الثقافيةحوارات خاصة

«خالد الشيخي».. شاعر عرضة يجمع البلاغة وجمال الكلمة

شدد أن موروث العرضة باق، لكن المصالح أبطأت تقدمه

يعتبر الشاعر «خالد الشيخي» من أكثر شعراء جيله حضوراً وتأثيراً في ساحة العرضة الجنوبية، بما يملكه من صوت متفرد وفكر متجدد، واستطاع أن يترك بصمة واضحة في ذاكرة العرضة ومحبيها، وقد نشأ منذ نعومة أظفاره بين حلقات تحفيظ القرآن ومجالس الكبار، مما أسس لديه حساً لغوياً مبكراً، قبل أن يصقل موهبته أكاديمياً بدراسة البلاغة والنقد، فامتلك فهماً عميقاً لخصائص اللغة وجماليات التعبير، وما يميز الشاعر «خالد الشيخي» ليس فقط موهبته فحسب، بل يشمل أيضاً وجوده النزيه؛ فهو لا يسعى خلف الأضواء، ولا يستجدي تصفيق الجماهير، وفي المقابل استمر في مسيرته بثقة واجتهاد، وأصبح محافظاً على صدق الكلمة وأصالة مكانته، ومن خلال مشاركاته المتعددة وشعبيته المتنامية، حجز لنفسه موقعاً ثابتاً في خارطة شعر العرضة، جامعاً بين رقي الأداء والقيم الأخلاقية.

وفي حديث خاص لصحيفة «مكة الإلكترونية»، انتقد «الشيخي» بشدة ظهور فئة من النقاد الذين يجهلون اللغة والأدب والبلاغة في ساحة العرضة، وأوضح أنهم يفتقرون إلى الضمير والمعرفة، مما يؤثر سلباً على تقدم العرضة ووضعها في السياق المناسب. بالمقابل، أشاد بنقاد آخرين يُعتبرون إضافة حقيقية للساحة، بفضل ما يتمتعون به من علم وأدب وحياد.
كما أبدى «الشيخي» تحفظه على بعض السلوكيات داخل الوسط الشعري، مشيراً إلى أن عدداً من الشعراء يختارون تصفية خلافاتهم بعيداً عن النزاهة والمواجهة الصريحة، ويفضلون الاختباء خلف الشللية واستغلال الإعلام للإقصاء والتأثير.

 

وعن تأثر الساحة بغياب الشعراء، أكد «الشيخي» أن رحيل أو اعتزال أي شاعر مؤثر يترك فراغاً، لكنه سرعان ما يُملأ بشاعر جديد يواصل الحضور، ويضمن استمرار الحيوية الشعرية، مشدداً على أن ساحة العرضة لا تموت. 

وحول بطء تطور موروث العرضة الجنوبية، حمّل «الشيخي» الجيل السابق من الشعراء جانباً من المسؤولية، بسبب تغليب المصالح الشخصية على مصلحة العرضة، وهو ما حال دون تحقيق التقدم المأمول، بينما أشاد بوعي الجيل الجديد، واصفاً إياه بالأكثر مسؤولية ونضجاً.

وفي هذا الحوار، يكشف الشاعر «خالد الشيخي» الكثير من محطات مسيرته، متحدثاً بصراحة عن البدايات والمواقف والتحديات، وموقع العرضة اليوم، ورأيه في جمهورها ونقادها وحضورها الإعلامي، وما يطمح إليه مستقبلاً.. فإلى نص الحوار:


«البدايات والتجربة الشخصية»:

1. كيف كانت بدايتك مع الشعر؟ وما الذي ألهمك لإلقائه؟
بدأت مشواري مع الشعر منذ الطفولة، حيث شكّلت اللغة هويتي وذائقتي، فقد نشأت بين حلقات تحفيظ القرآن الكريم التي غرست في الوجدان حب البلاغة وجمال التعبير، ولم أكن أحب اللهو كثيراً، بل كنت أجد سكينتي في بيت من الشعر، وكانت لحظة الإلهام بالنسبة لي عندما شاهدت الشاعر عيضه بن طوير – رحمه الله – في أحد الأيام عصراً، وهو يتصدر منصة الحفل بمفرده، حيث كانت الجماهير تتبعه بإشارته وصوته، وقد ألهمني كثيراً مشهد تلك القيادة الشعرية.

2. من قدم لك الدعم خلال بداياتك الشعرية في الساحة؟
في بداياتي، وجدت دعماً وتشجيعاً صادقاً من كل الذين التقيتهم، فقد كانت الإشادة حاضرة دائماً، لا مجاملة ولا دبلوماسية، بل تقديراً حقيقياً لما أقدمه.

3. إلى أي مدى وصلت لمرحلة الإبداع في مسيرتك الشعرية؟
الإبداع وصف عظيم، استخدمه الله في خلق السماوات والأرض، لذلك هي كلمة تتسع باتساع الكون، وبصدق لا أرى أنني حتى الآن قدمت إلا جزءاً يسيرًا؛ مما يراودني من طموح وتصورات إبداعية في الشعر.

4. بأي شكل استفدت من تخصصك البلاغي في تطوير شعرك؟
كان تخصصي في البلاغة رافداً غنيًا لموهبتي الشعرية، فقد أسهم بشكل كبير في صفاء الكلمة ودقة التعبير، وحسن التضمين، وأتاح لي فهماً أعمق لأسرار اللغة وجمالياتها، مما انعكس إيجاباً على تطور أسلوبي الشعري.

5. ما القصيدة التي غيّرت مسارك، وساهمت في شهرتك فعلاً؟
القصيدة التي غيّرت مساري، وساهمت في شهرتي هي أول قصيدة ألقيتها على المنبر، وكان مطلعها: مرحبا ترحيبة أبواب السماء في دعوة المظلوم، وقد كانت بالنسبة لي بمكانة يوسف عند يعقوب، لما حملته من تأثير عميق عند المتلقي.

6. ما أبرز المواقف المحرجة التي واجهتها خلال مشاركاتك؟
واجهت العديد من المواقف، لكن أبرزها كان في سنتي الأولى في هذا المجال، حيث قررت الانسحاب عوضا عن المشاركة في حفل تكريم مجموعة من العرسان، فكانت الدعوات للشعراء غير متناسقة، وبدأت تظهر الضغائن بينهم، عندها أدركت أن قراري بالانسحاب من الحفل كان صائباً.

7. كيف تنسق بين حياتك الاجتماعية وكثرة الحفلات والسفر؟
حتى الآن لم أوفق تماماً في التنسيق بين حياتي الاجتماعية وكثرة الحفلات والسفر، فأنا شخص سريع الملل وأكره الروتين، فأتنقل بين الاهتمام بالحفلات والسفر أحياناً، وبين الحياة العلمية والعملية أحياناً أخرى، مع تخصيص وقت محدود لحياتي الاجتماعية، رغم أنني أعترف بأنني ظلمتها كثيراً.

8. أين تحفظ قصائدك؟ وهل تفكر بديوان شعري مستقبلاً؟
نعم، أفكر في جمع قصائدي إلكترونياً كأرشيف شخصي أحتفظ به، وقد يكون ذلك خطوة أولى نحو ديوان شعري مستقبلي، لكن لا أعلم متى تحديداً ستأتي تلك المرحلة.

9. من هو الشاعر القديم الذي تمنيت مقابلته وتود محاورته؟
الشعراء الحاليون الذين عاصرتهم هم النخبة المميزة، ومن توفاهم الله أرفع لهم الدعاء بالرحمة والمغفرة، ولا أتمنى سوى ذلك لهم.

«التجربة الفنية وأسلوب الشعر»:

10. كيف كانت تجربتك مع الشعر النبطي والقلطة وردود الأفعال؟
الشعر النبطي بالنسبة لي متعة خاصة، فهو يفتح آفاق الابتكار، ويمنحني حرية اللعب بالتراكيب والرؤى، أما تجربتي مع القلطة فكانت مفاجئة، إذ وجدت نفسي فجأة في مواجهة أحد عمالقة القلطة وهو الشاعر محمد السناني، وفي ميدان عريق كالكويت، ورغم أنها أول مشاركة لي، لكن كانت ردود الأفعال مشجعة للغاية، سواء من الجمهور الحاضر أو عبر وسائل التواصل، بل حتى من شعراء القلطة أنفسهم، الذين طالبوا بمشاركتي مجدداً.

11. هل تفضل الشعر التقليدي للعرضة أم التجديد فيه؟
أفضل التجديد في شعر العرضة، وقد مارسته بالفعل من خلال استخدام المفردة البكر والفكرة العذراء، وتوسعت في ذلك حتى وظفت مفردات معاصرة مثل (الروبوت، عملة بيتكوين، ChatGPT، الذباب الإلكتروني)، ورغم وجود أصوات خافتة ترفض هذا الاتجاه، فإن الغالبية الكبرى تفاعلت بإعجاب وحفاوة، فالعرضة كائن حي يتطور مع الزمن، وليست قالباً جامداً أو صنماً يعبد.

12. كيف تقيم مستوى الشعر في المنطقة الجنوبية حالياً؟
بصراحة أرى أن الشعر في المنطقة الجنوبية يعيش حالياً عصره الذهبي بكل جدارة.

13. هل تغيرت أذواق الجمهور للشعر مع تطور الزمن فعلاً؟
نعم، تغيرت أذواق الجمهور مع تطور الزمن، وهذا أمر صحي، فتنوع الإرث الثقافي والنسيج الاجتماعي أسهم في تشكيل طبقات ذوقية مختلفة، بعضها يستحق التقدير، بينما البعض الآخر منها لا يرقى إلى ذلك.

14. ما رأيك بالشعر حين يتحوّل لتصفية حسابات شخصية؟
أتمنى لو كان الشعر وسيلة راقية لتصفية الخلافات، كما قال أحد الفلاسفة: رحب بالعداوات، لكن قلة هم من يملكون شجاعة الفرسان لفعل ذلك، أما الغالبية، فتلجأ إلى أساليب الشللية والوشاية والإقصاء، وتستخدم الإعلام والأضواء كسلاح، مع حرصهم الدائم على التخفي خلف اللثام.

«الساحة والتفاعل الجماهيري»:

15. كيف يؤثر الحضور الجماهيري عليك أثناء أداء العرضة؟
الحضور الجماهيري يمنحني طاقة خاصة، وذكرياتي مع هذا التأثير كثيرة، من أبرزها حفلة دعيت إليها مؤخراً بعد غياب طويل عن القبيلة، ورغم انشغالي وتعب الصحة، وقفت بين أسماء لامعة من الشعراء، فإذا بالمكان يضج بالترحيب والبارود وأضواء الهواتف، وكان ذلك المشهد وقوداً حقيقياً لي، وأسهم في جعلها من أنجح الحفلات في موسمها.

16. كيف أثرت مدائحك للهلال على مشاركاتك بالحفلات؟
أثّرت مدائحي لنادي الهلال بشكل إيجابي، فقد كسرت الكثير من الحواجز بيني وبين الملتقى، وأيقظت فيهم روح الانتماء والشغف، ليس فقط لأنديتهم، بل لتراثهم وللشعر ذاته، وقد تعمّدت المزج بين الرياضة والشعر لإضفاء جو من المحبة والمناكفات الطريفة، وتمكنا معاً من تحقيق تفاعل ملحوظ وإقبال كبير.

17. كيف ترى مشاركة العرضة الجنوبية في المهرجانات عامة؟
مشاركة العرضة الجنوبية في المهرجانات شهدت تطوراً ملحوظاً ولله الحمد، رغم أن تقدمنا كان سيكون أكبر لو قدم السابقون مصلحة العرضة على مصالحهم الشخصية. لكنني أعتقد أن هذا الجيل أكثر وعياً وساحة العرضة باقية بوجودهم، وبعد جهودنا المستمرة وإيصال صوتنا في مناسبات متعددة بادرت وزارة الثقافة بتنظيم أول برنامج للعرضة سيعرض قريباً على شاشة القناة الثقافية.

18. كيف ترى تفاعل الجمهور مع الحفلات وحضورها؟
وجدت أن تفاعل الجمهور مع الحفلات عاد بقوة، وسيكتب موسم 1447هـ في ذاكرة التاريخ كعام التعافي من آثار الجائحة وعودة البهاء والحضور الجماهيري اللافت.

19. من هو الشاعر الجماهيري في العرضة من وجهة نظرك؟
من وجهة نظري، لم يأت شاعر في جماهيرية عطية السوطاني –ر حمه الله- منذ أن صدحت طبول العرضة. فالحشود كانت تلتف حوله رأي العين، وهذا هو المقياس الحقيقي للجماهيرية، وليس بعدد الإعجابات أو التعليقات في قروبات الدعم.

20. تعد كثرة شعراء العرضة حالياً ظاهرة صحية أم لا؟
كثرة شعراء العرضة ظاهرة صحية وأتمنى أن تزيد أعدادهم أكثر.

21. ما سبب عدم انتشار العرضة في جميع مناطق المملكة؟
لا أرى أن العرضة غير منتشرة، فهي حاضرة في مناطق عديدة داخل المملكة وخارجها، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، ولدي أصدقاء من جنسيات عربية مختلفة يتابعون شعر العرضة، وبعضهم يتقنه كما أهلها تماماً.

22. هل تتفق أن شعر العرضة بالباحة يختلف عن عسير؟
في السابق كان الفرق بين شعر العرضة في الباحة وعسير واضحاً؛ بسبب ضعف الإعلام وقنوات النقل، أما اليوم فهناك تقارب كبير، ويرجع ذلك بشكل خاص لانغماس أجيال شعراء عسير في مدرسة الباحة، مما أسهم في توحيد الأساليب وتقريب الفروقات.

23. ما رأيك في انتشار نقاد الشعر مؤخراً بساحة العرضة؟
شهدت الساحة مؤخراً ظهور نوعين من نقاد الشعر؛ منهم من يسرك بعلمه وأدبه وحياده، وهم من الكتاب والأدباء الذين تزخر مؤلفاتهم بالمكتبات، وهؤلاء مكسب حقيقي، وأشجع وجودهم حتى لو شملني نقدهم، أما الفئة الأخرى، فتمثل حالة من الجهل بالبلاغة والأدب والنقد، وتفتقر إلى الضمير والمعرفة، ورغم ذلك أقر بحقهم في التعبير، لكن إبداء الرأي دون دراية لا يصح.

24. هل تأثرت ساحة العرضة بغياب الشعراء بالوفاة أو الاعتزال؟
بالتأكيد، الشعراء هم أعمدة ساحة العرضة وأركانها، ولكن عندما يغيب أحدهم سواء بالوفاة أو الاعتزال يهتز البناء لفترة، وسريعاً ما يظهر شاعراً جديداً يحل مكانه، وربما يكون أكثر فاعلية وثباتاً، مما يضمن استمرار الساحة وحيويتها.

25. هل أنت قلق على العرضة بسبب انتشار الشيلات؟
أبدًا، لست قلقاً، بل أرى أن العرضة والشيلات يعيشان حالة من التوأمة الجميلة حالياً، ولا خوف عليهما، فلكل منهما جمهوره ومكانته.

26. حدثنا عن أهمية فرق الزير الشعبية ودورها في الحفلات؟
لا أجد لدي إجابة تضيف شيئاً للحوار.

«النصائح والرؤى المستقبلية»:

27. ما نصيحتك للشباب المهتمين بالشعر والمحافظة عليه؟
أنصح الشباب بعدم متابعة ساحة الشعر والعرضة من خلال نافذة واحدة فقط، فهي ليست مرتبطة بقناة أو يوتيوبر معين، بل هي ذاكرة تراكمية تمتد من الماضي إلى الحاضر. يجب الحذر من المحتوى المؤدلج الذي يروج لأفكار مشوهة، ويحاول تلميع أسماء على حساب أخرى، لأن ذلك يؤثر سلباً على فكر الجيل الجديد، ويشوه صورة الشعر والتراث الحقيقي.

28. ما هي أحلامك المستقبلية في الشعر والعرضة الجنوبية؟
أحلم بالوصول إلى مستوى من الاحترافية ينظم ساحة العرضة، كوجود مكتب متخصص يعنى بتنسيق حضور الشعراء وخدمة الداعين، لكنني لا أرى أن ذلك سيتحقق قريباً بسبب غياب الوعي وضعف الثقافة لدى بعض الأطراف، مما قد يفسد هذا المشروع الكبير إن وجد.

29. ما دور العرضة في حفظ التراث وتعزيز الوعي العام؟
لفن العرضة وشعر الشقر دور بالغ الأهمية في ربط الأجيال بهويتها وأصالتها، وحفظ تراث الأجداد من الاندثار، كما يسهمان في تعزيز الوعي العام، ويشكلان أداة فعالة في دعم أهداف رؤية المملكة 2030.

«الختام»:

30. ماذا تود قوله في ختام الحوار؟
شكراً على هذه الفرصة، وسعيد بالحوار معك أ. عبدالله الزهراني، وأتمنى أن أكون قد أضفت فائدة.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لقاء ماتع وجميل اخذنا في رحلة ثقافية غير اعتيادية للموروث الشعيي وزادنا معرفة بالشاعر خالد الشيخي وثقة واعتزاز وطمأنينة ان ساحة العرضة بخير طالما فيها هذا النجم اللامع صاحب الفكر الراقي والأدب الجمّ
    اجمل تحية له وللمستضيف المحرر المبدع والمحاور الألق عبدالله الزهراني ولصحيفة مكة الألكترونية العزيزة

  2. بين الثقة بالنفس والغرور شعرة ، والشاعر خالد. الشيخي المبدع واثق من نفسه لدرجة أن البعض يرى ذلك غرورا ، الشاعر يملك علم فن الكلام ويسخره ليضع نفسه في مزاحمة زملائه الشعار على المقدمة .
    يعجبني كثيرا بعض الشعراء الشباب الذين لايريدون مقارنتهم بمن سبقهم ويقول الواحد منهم أنا نموذجا مستقلا لا اريد أن أكون صورة من شاعر أخر مهما كانت قدرته وشهرته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى