
من أسمى العلاقات التي يمكن للإنسان أن يعيشها، تلك التي تُبنى على الإحسان والرحمة. فهذه العلاقات ليست مجرد خيار يتخذه الفرد، بل هي وصية ربانية أوصى بها الله قبل أي شيء آخر. الأصل في العلاقة بين البشر، وخاصة بين من تجمعهم روابط القربى أو الحياة المشتركة، أن تكون قائمة على العطاء النقي، لا على الحسابات الدقيقة أو الموازين المادية التي تُحصي العطاء والأخذ.
في زمننا الحاضر، حيث تتصاعد ثقافة “الاستحقاق” و”المحاصصة” في العلاقات، باتت بعض المجتمعات تؤمن بضرورة تقسيم الأدوار، المشاعر، والواجبات بين الطرفين بشكل صارم، ظنًا منهم أن هذا يحقق العدالة. لكن الحقيقة أن العدالة في العلاقات لا تُبنى بهذا الشكل. العدالة الحقيقية لا تتحقق إلا بالرجوع إلى مرجعية روحية وأخلاقية واضحة، إلى الدين الذي لا يساوي بين الأشخاص على الورق فحسب، بل يوصي بالإحسان حتى لمن أساء، وبالرحمة حتى في ذروة الخلاف.
الإحسان في العلاقة يعني أن تعطي دون انتظار مقابل، أن تتجاوز الزلات، وأن تزرع الخير ولو في أرض لا تبدي ثمرًا فوريًا. من يعطي بإخلاص لا يخرج خاسرًا أبدًا، وإن تأخرت المكافأة. فالعلاقات لا تُبنى بالمحاصصة، بل بالرحمة التي تتجاوز الحسابات وتسمو بالنفس. إنها الرحمة التي تجعل العلاقات ملاذًا آمنًا، وسببًا للسعادة والطمأنينة، لا ساحة للتنافس أو الصراع.
الخلاصة أن العلاقات الإنسانية السامية هي تلك التي تُغذيها روح الإحسان والرحمة. فمن يزرع الخير في قلوب الآخرين، يحصد الخير في نفسه وفيمن حوله، ويبني علاقات تبقى راسخة في الوجدان، حتى وإن لم تُكتب لها الدوام.


