حين تُكرَّم مدرسة في حفل التميّز المدرسي، فإنها لا تبلغ نهاية الرحلة، بل تبدأ مرحلة جديدة أكثر عمقًا ومسؤولية. فالحفاظ على التميّز بعد التقويم الخارجي هو التحدي الحقيقي الذي يختبر نضج المدرسة، ومدى وعيها بالجودة كقيمةٍ يوميةٍ متجذّرة في الممارسة لا كإنجازٍ موسميٍّ عابر.
لقد علمتنا التجربة أن التميّز لا يُقاس بما تحققه المدرسة من نتائج فحسب، بل بما ترسّخه من ثقافة مؤسسية تُجسّد الجودة في أدق تفاصيل العمل المدرسي. فعندما تتحول الجودة إلى لغةٍ مشتركة بين جميع العاملين، يصبح الأداء منظومة متماسكة تقودها رؤية واضحة وروحٌ جماعية.
المدرسة التي تحافظ على تميّزها هي تلك التي تدرك أن التحسين لا يتوقف، وأن نتائج التقويم ليست نهاية المطاف، بل فرص متجددة للتعلم والنمو. القيادة الواعية لا تُدير التميّز بالأوامر، بل تبنيه بالشراكة والمسؤولية. ومن هنا يأتي دور القائد في إلهام فريقه، وتحويل التوصيات إلى مبادراتٍ، والتحديات إلى فرص تطويرٍ حقيقية.
ولأن التميّز عملٌ جماعيّ، فإن تمكين المعلمين يمثل حجر الزاوية في استدامته. فالمعلم المُمكَّن لا يكتفي بالتنفيذ، بل يشارك في التحليل والتقويم وصناعة القرار. ومع مرور الوقت، تتكوّن بيئة مهنية قادرة على التعلم الذاتي، تتحسن من داخلها وتتكيف بمرونة مع المتغيرات.
إن نظام الجودة الداخلي هو الضمان الحقيقي لاستمرارية الأداء. فهو يجعل من دورة التقويم (تخطيط، تنفيذ، مراجعة، تحسين) ممارسةً مؤسسيةً متجددة، تربط بين الخطط التشغيلية والنتائج التعليمية. والمدرسة المتميزة هي التي تتعامل مع البيانات لا كإجراءٍ روتيني، بل كأداة تفكيرٍ وتطويرٍ ونمو.
كما لا يمكن إغفال دور الشراكة المجتمعية في تعزيز استدامة التميّز. فعندما تنفتح المدرسة على محيطها، وتُشرك أولياء الأمور والجهات الداعمة في مشاريعها، يتحول التميّز إلى مسؤوليةٍ مجتمعيةٍ ممتدةٍ يتقاسم الجميع أثرها وفخرها.
من تجربتنا في الثانوية الحادية عشرة بعد المائة بجدة، التي حصدت التميّز لعامين متتاليين، أدركنا أن المحافظة على التميّز أصعب من تحقيقه، وأن استدامته تتطلب وعيًا مؤسسيًا ناضجًا يقود الجميع نحو هدفٍ واحد: جودة تُمارَس لا تُقال، وثقافة تُعاش لا تُكتب.
التميّز المدرسي الحقيقي لا يُختزل في لحظة تكريم، بل في قدرة المدرسة على التعلم من ذاتها، وتحويل كل تقويمٍ خارجي إلى تقويمٍ داخليٍّ ذاتي، ينعكس أثره على جودة التعلم، ونمو المعلمين، ورضا المجتمع المدرسي بأكمله.
وهكذا يصبح التقويم المدرسي طريقًا لا غاية، ومسارًا نحو مدرسةٍ أكثر وعيًا وإبداعًا، تُسهم في بناء نظامٍ تعليميٍ سعوديٍّ يتجدد من الداخل… ويُنافس من أجل المستقبل.
#قائدة_تربوية






