المقالات

رسالة إلى من داهمته المخدرات

لن أخوض في أعداد المدمنين، ولا في أضرار المخدرات، ولا تفاصيل نشأتها وأنواعها، وكيف غدت تجارة المجرمين ونضال الدول والمؤسسات لمكافحتها. فالإحصاءات والمعلومات في مواقع الميديا تشيب لها رؤوس الولدان.
فقط سأحكي لكم أبشع واقعة مرّت عليَّ في حياتي العملية.

لقد رأيت الكثير من المآسي والحوادث العامة، ومنها حادث لا أنساه ما حييت.
كنتُ ملازمًا في شرطة النجدة بجدة، وفي أحد الأيام، وقبيل غروب الشمس، كنت أجلس في شرفة تطل على الشارع العام في باب شريف، وهو امتداد لشارع الملك عبدالعزيز في حي البلد، قريب من المستشفى العام آنذاك.
وفجأة سمعت جلبة وصياحًا قادمًا من الشارع الخلفي، وصوت محركات السيارات في فوضى عارمة. كانت إحداها تحاول تجاوز الآخرين بجنون، في منطقةٍ تعجّ بالمشاة ولا يهدأ فيها الزحام.

اندفعت السيارة بسرعةٍ جنونية، فدهس السائق ثلاثة من المارة أمام عينيّ! رأيتهم يُصرخون تحت عجلات السيارة، وأرى أعينهم وأفواههم وهي تُسحق، وأجسادهم التي كانت تفيض حياةً قبل لحظاتٍ تتحول إلى قطعٍ بالية. منظرٌ لن أنساه ما حييت، ولا تزال تلك العيون تستغيث في ذاكرتي حتى توارت تحت الحديد.

لم تستغرق الحادثة سوى خمس إلى سبع دقائق. هرعنا أنا وزملائي للسيطرة على الموقف، وتمكّنا من القبض على السائق بعد أن أوقفته الزحمة، فيما كاد الناس يفتكون به من هول المنظر. سلّمناه للشرطة حفظًا للنظام، والسؤال: لماذا حدث هذا؟

تبين أنه كان يشتري فلافل، واصطدم بسيارةٍ أخرى، فصاح عليه السائق الآخر، فهرب خوفًا من القبض عليه، لأنه كان متعاطيًا للمخدرات!
حادث بسيط لا يتجاوز تعويضه خمسين ريالًا، تحوّل بسبب جرعةٍ محرمة إلى مجزرةٍ بشريةٍ راح ضحيتها ثلاثة أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم مرّوا في طريق هاربٍ متهوّرٍ تحت تأثير السمّ.

وقد تقولون إن هذا حادثٌ مريع ومؤلم — نعم، هو كذلك — لكن ما سأرويه الآن أبشع وأدهى منه.

عندما كنت مديرًا للأمن العام، قُدّم إليّ ملف قضيةٍ أرعبتني، ارتعدت منها فرائصي، واختل توازن تفكيري، ودمعت عيناي، واسودّت الدنيا في خاطري قبل عيني.

القصة عن شابٍّ من أسرةٍ مقيمة في إحدى المدن (لا أذكر الجنسية ولا المدينة، فالغرض الموعظة لا التشهير).
كان هذا الشاب نشازًا في أسرته، قد ابتُلي بداء المخدرات. وفي يومٍ كانت عائلته في رحلةٍ خارج المدينة، ولم يكن في المنزل إلا والده، رجلٌ تجاوز السبعين من عمره. عاد الابن من جلسة تعاطٍ مع رفقاء السوء، ثملًا لا يعي من حياته شيئًا، فدخل على والده محاولًا – والعياذ بالله – ارتكاب فاحشةٍ به!
قاومه الأب العجوز بكل ما بقي له من قوة، فتعاركا، فقام الابن بضرب والده حتى قتله!

هل رأيتم أبشع من هذا الجرم؟!
كل الجرائم عارٌ وشنار، لكن في هذه رأيتُ كل أنواع الإجرام مجتمعة: الخزي، والحرام، والنذالة، والسقوط الإنساني.
فلا يكفيه عقاب واحد، بل يستحق أن يُصلب مرات قبل أن يُعدم.

لأجل حقنةٍ محرّمة وشهوةٍ قذرة، انتهت حياة رجلٍ كان أحنَّ عليه من نفسه!
ألا ترون كيف يتاجر المجرمون بحياة شبابنا؟ وكيف يملأ الشباب جيوب تجّار السموم بالملايين؟
وبين الآباء والأبناء تضيع الأرواح وتُخرَّب البيوت.

أيها المتعاطي، أما زلتَ ترغب في جرعةٍ من هذه الآفة المدمّرة؟!
ألا يكفيك كل هذا القرف والعذاب لتفتح قلبك وعقلك وتستيقظ؟
إن سلامة الإنسان وحماية مستقبله وكرامة أسرته تستحق قرار التوقف والصبر مهما كان صعبًا.

أرأيتم ماذا تفعل لحظةُ انتشاءٍ محرّمة؟
هل وصلت الرسالة؟

يا شباب الوطن، ارفقوا بأنفسكم.
المغرم كبير، والمأساة موجعة، والخسارة فادحة.
فهل من مبادر: سأتوقف قبل أن أفقد كل شيء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى