تمثل إختبارات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بوابة العبور الأساسية لأي طبيب أو طبيبة يرغب في متابعة مساره المهني من خلال برامج البورد السعودي. غير أن الواقع العملي لتلك الاختبارات، إضافة إلى محدودية المقاعد في برامج التدريب، قد خلق تحديات جوهرية انعكست سلباً على خريجي وخريجات كليات الطب في المملكة، مما يستدعي مراجعة شاملة وتبني حلول عملية تتماشى مع أفضل الممارسات العالمية.
أولاً: السلبيات والتحديات الراهنة
-
طول المسار المهني وتأخر الالتحاق بالتخصص
لا تقتصر معاناة الخريجين على سنوات الدراسة الطويلة، بل تبدأ بعد التخرج رحلة انتظار مرهقة للالتحاق بالتخصصات العامة والدقيقة. هذا التعثر يستهلك سنوات من أعمار أبناء وبنات الوطن ويؤخر مساهمتهم الفاعلة في القطاع الصحي. -
محدودية فرص التقديم للاختبارات
إقامة الاختبارات مرة واحدة في العام يضاعف المعاناة؛ إذ قد يؤدي الإخفاق أو حدوث ظرف طارئ إلى ضياع عام كامل من حياة المتدرب. -
قلة المقاعد التدريبية
عدد المقاعد في برامج البورد لا يتناسب مع الزيادة المضطردة في أعداد الخريجين، مما يحرم كثيرين من فرصهم في التدريب داخل المملكة. -
غياب البدائل المدفوعة
لا توجد مسارات مدفوعة التكاليف تسمح باستيعاب المزيد من الراغبين في التدريب، بعكس ما هو معمول به في العديد من الدول المتقدمة. -
الانعكاسات النفسية والاجتماعية
طول الانتظار وتكرار المحاولات يؤديان إلى ضغوط نفسية واجتماعية، ويشكلان عبئاً مالياً على الخريجين وأسرهم.
ثانياً: حلول مقترحة للتطوير
-
زيادة مرونة الاختبارات
إقامة الاختبارات مرتين سنوياً على الأقل، لتقليل الفجوة الزمنية بين المحاولات وتحقيق مرونة أكبر للخريجين. -
التوسع في المقاعد التدريبية
اعتماد مستشفيات جامعية وخاصة ومراكز طبية جديدة كمقار للتدريب، لزيادة الطاقة الاستيعابية بشكل يتناسب مع احتياجات سوق العمل. -
إستحداث برامج مدفوعة التكاليف
تقديم برامج تدريبية برسوم مناسبة، مع ضمان الجودة والرقابة الأكاديمية، بما يوفر خيارات إضافية للراغبين. -
تعزيز الشراكات الدولية
فتح مسارات ابتعاث للتخصصات الدقيقة غير المتوفرة محلياً، مع الاستفادة من تجارب الهيئات العالمية. -
إستخدام التقنيات الحديثة
إدماج التعليم الطبي الإلكتروني والمحاكاة الافتراضية لتعويض النقص في التدريب السريري المباشر.
ثالثاً: مقارنة مع التجارب العالمية
-
المجلس الطبي الكندي (MCC): يتيح فرصاً متعددة سنوياً للاختبارات، ويعتمد على تقييم تدريجي يقلل من ضياع الوقت.
-
المجلس الأمريكي للتخصصات الطبية (ABMS): يوفر مرونة كبيرة في مواعيد الاختبارات واعتماد واسع للمراكز التدريبية.
-
المجلس الطبي البريطاني (GMC/UKFPO): ينظم برامج تدريبية متنوعة تشمل مسارات ممولة حكومياً وأخرى مرنة، ما يتيح خيارات متعددة للخريجين.
هذه النماذج تؤكد أن المرونة، وزيادة الطاقة الاستيعابية، وتوفير مسارات متعددة ليست إضافات ثانوية، بل أدوات استراتيجية للحفاظ على استدامة القوى العاملة الصحية.
رابعاً: البورد السعودي كاستثمار وطني
برامج البورد ليست مجرد تدريب أكاديمي، بل تمثل استثماراً استراتيجياً في رأس المال البشري الوطني. كل عام يضيع من حياة الطبيب المتدرب هو خسارة على المجتمع وتأخير في سد احتياجات المنظومة الصحية. تعزيز الطاقة الاستيعابية وتبني برامج مرنة سيزيد من سرعة إدماج الكفاءات السعودية في القطاع الصحي، ويعزز تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في رفع كفاءة الرعاية الصحية.
إن مستقبل خريجي وخريجات الطب في المملكة أمانة وطنية. وإعادة النظر في نظام اختبارات الهيئة السعودية للتخصصات الصحية وتوسيع مقاعد البورد ليست قضية إدارية بحتة، بل ضرورة وطنية لضمان استدامة منظومة صحية عالية الكفاءة. المقارنة مع النماذج العالمية تثبت أن الحلول ممكنة وقابلة للتطبيق، ويبقى المطلوب إرادة جريئة لإحداث التغيير الذي يرفع من كفاءة وجودة الرعاية الصحية، ويخفف معاناة أبنائنا وبناتنا الأطباء.
إختبارات عادلة .. فرص متساوية .. رعاية صحية متميزة


