لدي عقيدة راسخة كأستاذ ومعلم أن الامتحان الذي يضعه الأستاذ للطالب هو لقياس مدى فهمه وتحصيله لمقرر قام بتدريسه له، وليس استعراضًا لمهارته في وضع الأسئلة …أو تحد للطالب وإرباكه وأن نجاح الطالب وقدرته على الإجابة عنه، هو جزء من نجاح الأستاذ نفسه في إيصال المعلومات للطالب، وبالتالي فإن رسوب الطالب في الامتحان، ولا سيما لو حدث رسوب جماعي هو شهادة ضمنية أيضًا علي : إما على عدم قدرة الأستاذ على إيصال المحتوى التدريسي لطلابه ، أو على عدم صلاحيته في وضع أسئلة الامتحان.
لذا لا بد أن يدرك المعلم أن علاقته بالطالب علاقة تكاملية، بل وتبادلية كل منهما يعطي للآخر قدر ما يأخذ منه، ولا سيما ونحن نعيش ما يعرف بالمعرفة التعاونية؛ التي يكمل كل طرف فيها معلومات الآخر ، ورغم أن الأستاذ هو الأكثر تمكنًا في المحتوى الدراسي بحكم الخبرة والدرجة العلمية ، فإن الطالب يشكل إضافة للمعلم من خلال تفاعله ومناقشاته المستمرة التي يمكن من خلالها أن تلفت نظر المعلم لنقاط جوهرية، ربما تحفزه على إجراء بحث أو القيام بدراسة علمية ، أو تطوير المقرر بإضافة موضوعات جديدة ، أو استحدات فصول، أو حذف موضوعات، هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار ما أثمرته التقنيات الحديثة التي ربما نجد في طلاب اليوم من هو على اطلاع دائم بكل جديد فيها، وربما يلوح لأحدهم ما هو جديد في موضوعات متعددة قد تغيب عن بعض المعلمين ، وهذا ما يجب أن تؤطر فيه العلاقة بين المعلمين والطلاب التي يتجلى فيها رحم العلم الذي جمع بينهما والمؤسسة العلمية التي تضمهما ، فهي إذن ليست علاقة تحد ومنافسة أو علاقة وقتية ومحدودة بل هي علاقة متصلة ومتأصلة ومتجذرة تدوم بدوام الأيام وتشكل ذكريات خالدة في ذهن المعلم والطالب على السواء .
ومن ذا الذي ينسى أيام مقاعد الدراسة وما كان يدور فيها ، ويجلس مستذكرًا وربما قاصًا وحاكيًا حواراته وأحواله بين زملائه ومعلميه ، لينال المعلم القريب من تلاميذه المدح المعلي والدعوات الطيبة بعد مرور الأعوام ، بل وكثيرًا ما كان المعلم سببًا في توجه الطالب علميًّا لتخصص ما ، نتيجة حبه لمقرر كان معلمه رحيمًا به متمكنًا في علمه ميسرًا لمحتواه ، قريبًا من قلوب تلاميذه ، وربما كان المعلم سببًا في عزوف بعض الطلاب عن تخصص ما؛ وذلك لما لمسوه من تعقيد وتقريع دائم ولوم كثير من المعلم ، فيتحاشى تخصص كامل نتيجة ذكريات أليمة مع أحد معلميه.
إنني أحب أن يكون يوم الامتحان للطالب أو الطالبة هو بمثابة تأكيد له على بعض المعلومات المهمة، التي يرى المعلم أن الطالب يحتاج أن يظل متذكرًا لها مدى حياته، ولا شك أن الامتحانات وإجابات الطلاب تظل باقية في ذاكرتهم فترة طويلة … وبذلك يكون الامتحان نفسه جزء ًامن التعليم.
وإذا كان خبراء الجودة يؤكدون على ضرورة أن يكون الاختبار تغطية وتحقيقًا لنواتج التعلم التي اشتمل عليها توصيف المقرر، فإن هذه النواتج أيضا تختلف بلا شك من مرحلة إلى مرحلة حتى لو تشابهت صياغة النواتج، وبالتالي ملاءمة هذه الأسئلة مع المرحلة الدراسية للطالب دون تعقيد أو تعجيز، ومراعاة طبيعة المرحلة العمرية، وطبيعة التخصص العلمي الذي يقوم بتقديمه، بل ومراعاة التخصص الدقيق الذي تخصص فيه الطالب أو الطالبة.
وعلى المعلم في كل مراحل التعليم أن يراعي الفروق الفردية في جميع المناحي ، فمن الطلاب من يتفوق فكريّا وتكون قدراته عالية في التحليل والنقد والمناقشة ، ومنهم من تكون قدراته مهارية تتضح مهاراته في النواحي التطبيقية، فتأتي الأسئلة لتراعي هذه الفروق ، بل يجب أن تتعدد طرق التقييم داخل المقرر، وبالتالي يتم قياس مهارات الطلاب من جميع الاتجاهات.
ولم يعد هناك مبرر أن يكون يوم الامتحان للطلاب يوم التوتر والقلق والاضطراب، ولكنه يوم يتعرف فيه الطالب على مدى إتقانه، أو حاجته لاستكمال معلوماته فيه، لذا يمر الطالب بسلسلة امتحانات متنوعة تختلف في حيزها وفي تصميمها بين امتحانات قصيرة، وامتحانات نصفية ، وامتحانات نهائية ، فضلا عن التكليفات والمشروعات العملية.
0

