كانت مكة قديمًا وتحديدًا بعد بعثة النبي صلى الله عليهِ وسلم وفي بداية الفترة الأولى من الدعوة الإسلامية تعج بكثيرٍ من مشركي قريش وزعمائها والأصنام التي يعبدونها، وفي الوقت نفسهِ قد إعتلاها أقلية قليلةٌ من عدد المسلمين. وفي تلك الضواحي كان يعيش عبد الله بن مسعود رضي الله عنهُ وقد كان شابًا نحيف الجسم دقيق الساقين قصير الأدمة، كما أنهُ كان يرعى الغنم في ذلك الوقت. وكان راعيًا لأحد سادة القبائل في مكة. وبينما هو على هذهِ الحال مر بهِ رسول الله صلى الله عليهِ وسلم ومعهُ صاحبهُ أبو بكر الصديق رضي الله عنهُ وطلبا منهُ اللبن وعلى الرغم من أنهُ لم يُسلم بعد إلا أنهُ كان يتصف بِبعضِ الصفات النبيلة مثل الأمانة، فعندما طلب منهُ رسول الله اللبن قال لهُ بأني مؤتمن على هذهِ الأغنام حينئذن أمرهُ بإحضار شاةٍ لم يُنتِج ضرعها لبنًا فلما أتى بها أمسكها نبي الله ومسح عليها ثم دعا فامتلأت الضرع فحلبها وشرب منها هو وصاحبهُ حتى ارتوو ثم قال للضرع اقلص فعاد كما كان. تعجب الشاب من هول ما رأى وأصر على معرفة هذا الرجل الغريب وصاحبهُ فسألهُ من تكون؟ قال أما صاحبي هذا فهو أبو بكر الصديق وأما أنا فمحمدٌ ابن عبد الله. وبعد تلك المعجزة التي حصلت أمامهُ من هذا النبي الكريم أثار فضولهُ هذا الدين الجديد وطلب منهُ تعلمهُ عندئذن عرض عليهِ الرسول الدخول في الإسلام فدخل فيهِ على الفور. وبعد دخولهِ في الإسلام أخذ رضي الله عنهُ على عاتقهِ مسؤولية نصرة الإسلام والذود والدفاع عن صاحب رسالتهِ الأمين ضد من يعاديهِ من الكفار. وكان حلمهُ أن يصبح أحد رموز الإسلام ويعلي رايتهُ وكان لهُ ما أراد إذ حقق الله حلمهُ بدعوة نبيهِ فتغيرت حياتهُ وتحول من راعٍ بسيطٍ إلى أحد فقهاء الأمة وأحبارها ومن كبار كُتاب الوحي. وقد أثمرت شجاعتهُ في مشاركتهِ في غزوات النبي صلى الله عليهِ وسلم وتحديدًا في غزوة بدر حيث كان يُقاتل جيوش المشركين بكل قوةٍ وبسالة وكان حريصًا أشد الحرص على قتل رأس الكفر والتخلص منهُ وهو أبو جهلٍ لعنهُ الله وكانت عيونهُ تترصدهُ وتبحث عنهُ في أرجاء المعركة وفي أثناء محاولتهِ البحث عنهُ كان هناك غلامان صغيران من ضمن جيش المسلمين تمكنا من العثور عليهِ وقام بالصراع معهما واستطاعا طعنهُ عدة طعنات وإيقاعهُ على الأرض ولما رأيا على هذهِ الحال تركاهُ وانصرفا عنهُ وتابعا المعركة. في هذهِ الأثناء نجح الصحابي الجليل صاحب سر رسول الله في إيجاد الطاغية وقد رآهُ في حالةٍ يُرثى لها وبينما هو واقعٌ على الأرض صعد رضي الله عنهُ على صدرهِ حينئذن اشمأز أبو جهل من فعل الصحابي وقال في غرورٍ وعجرفة أتصعدُ على صدري يا رُويعي الغنم ثم سألهُ بِكلِ وقاحة لمن الدائرةُ اليوم ومن المنتصر فأجاب رضي الله عنهُ بِكلِ إيمانٍ وثبات أنها للهِ ورسولهِ والنصر للحق والمسلمين خذها والله أكبر وهو بِسيفهِ يُجْهِزُ عليهِ حتى قتلهُ وخلص العالم أجمع ولا سيما الدين العظيم من شرورهِ.
0






