يُشكل الأمن الغذائي والمائي حجر الزاوية في صرح الأمن الوطني، خاصة في أوقات الأزمات والطوارئ. فما يضمن صمود المجتمعات واستقرارها ليس فقط توافر الموارد، بل قدرتها على إدارتها بحكمة. ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة أيدها الله في بناء المخزون الاستراتيجي وتنويع مصادر الإمداد، يبقى وعي أفراد المجتمع هو العامل الحاسم الذي يُحدث الفرق بين التعافي السريع والتداعيات المستمرة.
لا تقتصر أهمية التوعية الدورية على كونها رسائل إرشادية عابرة، بل هي عملية مستدامة تهدف إلى بناء ثقافة مجتمعية راسخة. ثقافة تُقدّر قيمة الموارد، وتتبنى سلوكيات الترشيد كأسلوب حياة، وتلتزم بتعليمات الجهات الرسمية في أوقات السلم والحرب. من خلالها، نستطيع تحصين المجتمع ضد السلوكيات المهددة للأمن المعيشي، كالشراء العشوائي والهدر، ونعزز ثقته الراسخة في قدرة الدولة ومؤسساتها على إدارة الأزمة وتأمين الاحتياجات الأساسية.
لقد كانت جائحة كورونا محطة عملية كشفت هشاشة السلوك الجمعي أمام نذر الأزمات. حيث أدى الذعر المجتمعي، رغم توفر المخزون، إلى موجات من الشراء المفرط وتخزين السلع بما يفوق الحاجة، مما عرّض سلاسل الإمداد للضغط وأخلّ بالتوازن السوقي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إستراتيجية إعلامية شفافة تتحول من ناقل للأخبار إلى أداة فاعلة لطمأنة الرأي العام. وذلك من خلال:
· نشر بيانات دقيقة ومستمرة عن حالة المخزون الاستراتيجي.
· تفنيد الشائعات بشكل استباقي وسريع.
· بث رسائل توعوية مدروسة تترجم الأرقام إلى سلوكيات عملية.
ختاماً، لا يكمن التحدي في تأمين الموارد الغذائية والمائية فحسب، بل في صنع العقلية المجتمعية التي تتعامل معها بمسؤولية. فالأمن الحقيقي هو ذلك النسيج المتكامل الذي تتداخل فيه مقومات الدولة المادية مع وعي أبنائها وانضباطهم. إن الصمود الذي ننشده يبدأ عندما يتحول كل فرد في المجتمع إلى حارس أمين للنعمة، وشريك مسؤول في رحلة عبور الأزمات بأمان.





