التشتّت العقلي للشخص يُقصد به فقدان الإحساس بالمكان والزمان، ويُعدّ إحدى السمات الإنسانية الفريدة؛ لأنه عبارة عن فترات يتحوّل فيها انتباه الشخص عن المهمة الحالية للتركيز على أفكار ليست لها أيّة علاقة بالمهمة التي يقوم بها. وقد يكون من الصعب على الشخص إيقاف عقله عن التشتّت أو الشرود، حتى عندما يكون في أمسّ الحاجة إلى التركيز، ويتطلّب إيقاف التشتّت الكثير من التصميم والإرادة.
فالذهن الشارد أمر شائع يجعلنا غير قادرين على التركيز؛ ومن الطبيعي أن تمرّ على الأشخاص لحظات من السرحان أو الشرود الذهني، ولكن يزداد الأمر حدّةً عندما يصبح الشرود الذهني شيئًا يلازمهم في الكثير من الأوقات؛ لأنه يؤدي في النهاية إلى مشكلات في الحياة اليومية للشخص، مثل الإخفاق في تنفيذ المهمة بشكل فعّال، وضعف القدرة على التركيز.
وقد كشفت دراسة قام بها باحثون من جامعة «هارفرد» الأمريكية عام 2010م أن 47% من البالغين في مجتمع الدراسة لم يكونوا يركّزون على المهمة التي كانوا يقومون بها.
ومن أشهر قصص الشرود أو التشتّت الذهني تلك التي تُحكى عن المخترع العبقري ورجل الأعمال الأمريكي «توماس إديسون»، الذي لم يحضر حفل زفافه بسبب انشغاله بتجربة مهمة كان يقوم بها في مختبره بالجامعة، وقد بحثوا عنه كثيرًا، فاتّضح أنه قام بتدوين تاريخ موعد زفافه في مفكرته الشخصية، لكنه نسي!
وقصة مكتشف الجاذبية وعالم الرياضيات السير «إسحاق نيوتن»، الذي كان جالسًا قرب المدفأة لكنه لا يشعر بالدفء، فطلب من خادمه أن ينزع المدفأة من الجدار ويقرّبها منه، فقال له خادمه في الحال: لماذا لا يقوم سيدي بتقريب مقعده من المدفأة؟
أمير الشعراء «أحمد شوقي» كان شارد الذهن، فقد عُرف عنه أنه كان يخرج علبة السجائر كل بضع دقائق ليدوّن على هامشها بضعة أبيات من الشعر قبل أن تضيع.
وأشهر من عُرف بشرود الذهن الأديب المصري «توفيق الحكيم»، غير أن المخرج «محمد كريم» الذي جلس معه طويلًا أثناء كتابة سيناريو فيلم «رصاصة في القلب»، لاحظ أن جزءًا من هذا الشرود كان إراديًا تمامًا.
وكذلك الموسيقار «محمد عبد الوهاب» اشتهر بالشرود الذهني، ويقول الكثير ممن تعاملوا معه إنه كان يهمهم كالقطط طيلة الوقت؛ لأن الألحان لا تكفّ عن زيارة عقله.
أما القصة الأغرب في الشرود الذهني فكانت من نصيب الكاتب المسرحي البريطاني الشهير «كيث تشيسترتون»، الذي وقف في أحد الأيام أمام موظف مكتب البريد للحصول على حوالة مالية، فاكتشف أنه نسي اسمه! وكان أول ما قاله للموظف المذهول: «معذرة يا سيدي، هل تعرف اسمي؟».
إن شرود الذهن لدى شريحة العباقرة أمر معروف للجميع، وإن كان يسبب الدهشة لدى البعض، لكنهم بعد ذلك يتقبّلونه باحترام.




