المحلية

صورة ذوي الاحتياجات الخاصة في الإعلام السعودي

[RIGHT][COLOR=#FF002E]صورة ذوي الاحتياجات الخاصة في الإعلام السعودي…؟[/COLOR] [COLOR=#4800FF]بقلم: مصطفى قطبي[/COLOR][/RIGHT]

بادىء ذي بدء لابد أن نشير إلى أنه لم يعد ذوو الاحتياجات الخاصة مجرد مجموعة من الأفراد المهمشين اجتماعياً، الذين ينظر إليهم باعتبارهم عاجزين عن أداء أدوارهم المختلفة في الحياة والمشاركة الإيجابية في متطلبات التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية. فقد تغيرت هذه النظرة السلبية والسطحية والقاصرة وحلت محلها فلسفة بناءة وإيجابية لوزارة الشؤون الاجتماعية، حيث تدعو إلى نبذ المفاهيم التقليدية القديمة القائمة على تأكيد فكرة العجز والإغراق في التشاؤم، واستبدالها بمفاهيم جديدة تتسم بالعمق وبعد النظر، بحيث تعمل الإدارة العامة لرعاية المعوقين على مساعدة وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة ليقوموا بأدوارهم داخل المنظومة الاجتماعية السعودية، ولتستمر قدراتهم الكامنة ليصبحوا قادرين على المشاركة الفعالة في مختلف مجالات الحياة، وبذلك يتحقق لهم التوافق النفسي والاجتماعي من جانب، والاستثمار البشري من جانب آخر، ولعلنا يجب أن نقرر أن أهم استثمار في بني البشر هو استثمار المخ البشري وتكامل وظائفه، الأمر الذي من شأنه تحقيق تقدم الوطن والمشاركة في دفع عجلة التنمية.

ومما لا شك فيه أن ذوي الاحتياجات الخاصة لهم حقوق ينبغي أن توفر له، كاملة غير منقوصة، وعلى أسرهم والجمعيات والحكومة واجبات ينبغي أن تراعى فلا تهمل، لأننا إذا أهملنا في حق هؤلاء نكون بذلك قد قصرنا في واجب وطني وديني على حد سواء، فالله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضَيع.

وكم كان رائعاً أن تحضر [COLOR=#FF0045]صحيفة مكة الالكترونية[/COLOR] جناح وزارة الشؤون الاجتماعية في مهرجان الجنادرية 27 وتشاهد عن كثب إبداعات الشباب السعودي من ذوي الاحتياجات الخاصة، التي أبدعت في تجليد الكتب، وإتقان مهارات السكرتارية، والتبريد والتكييف، وإتقان مهارات السكرتارية، وإتقان إدخال المعلومات، وصيانة الأجهزة الإلكترونية وغيرها من المهن الحرفية. وأعطوا المثال والقدوة للشباب السوي الذي ينتظر من الحكومة أن تجد له وظيفة، بينما العمل الحرفي لا يقل أهمية عن العمل الحكومي، بل يتجاوزه مادياً.
ومن باب الإنصاف فلابد من توجيه الشكر للإدارة العامة لرعاية المعوقين وتأهيلهم في وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث تعمل بهمة عالية وتتبنى مشاريع ذوي الاحتياجات الخاصة، وتمنحهم آفاقاً واسعة لأجل الابتكار والإبداع في مجالات إتقانهم. كما أن المكافآت المالية الشهرية التي تتجاوز أل 1200 ريال للمتزوجين وأل 500 ريال لغير المتزوجين، فهذه المكافآت بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة تعتبر بوابة عبور للإبداع الحرفي وكذلك للإتقان في مجالات أخرى متطورة.

ويبدو أن نظرة المجتمع السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة تتغير إلى الأفضل ولكن بشكل بطيء، حيث ما زال كثير من الناس ينظرون إلى هذه الفئات نظرة عطف وشفقة تدل على أنهم أقل من غيرهم من الأفراد الأسوياء ظاهرياً، وهناك أقلية تنظر إليهم نظرة أكثر سلبية ويعتقدون أن هذه الفئات غير قادرة على التعلم والاندماج في المجتمع. وقد أثرت تلك النظرات على كثير من أفراد هذه الفئات للأسف وهزت مستوى ثقتهم بأنفسهم جزاء تلقيهم لكثير من الرسائل السلبية التي يسمعونها بآذانهم، أو يرونها بأعينهم في نظرات الناس، أو يلمسونها في طريقة التعامل معهم.

فالمؤسسات الإعلامية، من أهم المؤسسات التي يقع على عاتقها مسئولية كبرى تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، أن تؤدي أدواراً مهمة، نحو هؤلاء، بما تملكه من آليات تغيير وأساليب تأثير ووسائل توجيه مختلفة ومتعددة. فوسائل الإعلام السعودية يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً تجاه هذه الفئة من البشر التي هي أحوج ما تكون إلى من يعتني بها ويمد يد العون إليها لشدة حاجتهم وافتقارهم إلى من يساندهم ومن له أن يتصدى لهذه المهمة الوطنية والإنسانية الكبرى غير الإعلام بما له من تأثير وإمكانات هائلة ابتداءً من الكلمة المطبوعة وانتهاءً بشبكة المعلومات (الانترنت) ومروراً بالإذاعة والتلفزيون فضلاً عن الكاسيت والفيديو وغيرهما من الوسائل والوسائط الاتصالية الأخرى؟

ولكننا إذا قمنا أولاً بعملية تقييم لأداء هذه الوسائل الإعلامية وما تقوم به من واجبات وما تؤديه من وظائف فإننا نجدها تركز في فئات مجتمعية بعينها وتغفل بل تهمش فئات أخرى وهذا لون من ألوان الوهن الأدائي القائم على انتقاء الجمهور المستهدف على غير أساس منطقي أو دوافع مبررة مما يوقع الإعلام في حرج وضعف وفقدان للتوازن في أدائه وتناوله. ومن بين الفئات المهمشة إعلامياً فئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فلا تكاد تراهم عبر وسائل الإعلام، وإن حدث فإنهم يظهرون بصورة سلبية ومشوهة تقزز الجمهور منهم وتدفعه إلى عدم الاكتراث بهم. ومن ثم يقع على عاتق وسائل الإعلام إبراز الواقع الذي يعيشه هؤلاء المبتلون بصورته الحقيقية من غير تزييف أو عبث أو تضليل.

وعلى الجانب الآخر فإن هؤلاء الأطفال في سنوات عمرهم المختلفة، لهم احتياجاتهم النفسية والروحية والإعلامية والفنية والتربوية وعلى وسائل الإعلام أن تلبي هذه الاحتياجات وأن تحققها، بمعنى أن تقدم لهم أعمالاً خاصة بهم ولهم، ومترجمة بلغة الإشارة للصم والبكم، وأن تهتم تلك الأعمال الفنية والدرامية المختلفة بالمؤثرات الصوتية للمكفوفين، وعلى وسائل الإعلام أن تعمم خدمة الترجمة في كل المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية والأعمال الغنائية حتى تحقق هدف التواصل مع هذه الشريحة المهمة في المجتمع. ويؤكد خبراء الإعلام وعلم النفس أننا إذا اعتبرنا أن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم مشكلة أو يمثلون مشكلة لغيرهم فينبغي أن تولي الدولة عنايتها بدراسة هذه المشكلة وتقديم الحلول التي تساعد أسر هؤلاء الأطفال على التعامل معهم بالطرق السليمة والأساليب الصحيحة.

من هنا فإن على الإعلام أن يوجه الدولة إلى أن تقيم المراكز التأهيلية والتربوية والترفيهية التي تؤمن فيها الأسرة على أبنائها وتقدم فيها خدمات حقيقية لهؤلاء الأطفال بحيث لا يقتصر الأمر على الرعاية والاهتمام فقط من المأكل والمشرب وإنما ينبغي أن تمتد مسألة الرعاية والاهتمام هذه إلى الناحية الطبية والنفسية والتعليمية وإعداد هؤلاء الأطفال وتدريبهم كي تنمّى القدرات الخاصة لديهم بحيث يتعلمون مهارات وخبرات تمكنهم من إعالة أنفسهم وإن اعتمدوا على غيرهم كالاعتماد على الدولة أو المجتمع فيكون ذلك في أضيق الحدود. ومن ثم فإن أجهزة الإعلام ينبغي أن تقدم هؤلاء الأطفال بصورتهم الحقيقية، على اعتبار أنهم جزء لا يتجزأ من كيان المجتمع وأن تقوم بدور التوعية المستمرة التي تعتمد على النظرية والتطبيق وتبدأ هذه التوعية داخل الأسرة بدءاً من الأم وتدريبها على كيفية التعامل السوي مع إبنها المعاق وألا تحرج منه وألا تفرق في المعاملة بين السليم والآخر المعوق، بل الواجب عليها أن تحيط الطفل المعاق بمزيد من العطف والرعاية والحنان. كذلك يقع على عاتق الإعلام مسئولية تنمية قدرات هؤلاء الأطفال ودفعهم نحو التعلم حتى لا يقعوا في براثن الجهل والأمية، وعلى الإعلام أيضاً أن يشجع المجتمع وينبهه لضرورة تقبل الأطفال المعوقين وتبني سياسة الدمج بينهم وبين غيرهم من الأطفال الأسوياء في النوادي والمدارس وأماكن الترفيه وغيرها.

وحتى يقوم الإعلام السعودي بمسئولياته اتجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، فإننا [COLOR=#FF0036]في صحيفة مكة الإلكترونية[/COLOR] نقترح على وسائل الإعلام السعودية المختلفة أن تعمل بالتوصيات التالية:

وضع خطة إعلامية تصاحبها حملة مدروسة وواعية ومستمرة قائمة على البساطة لتعريف المجتمع السعودي بمشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة وطرائق الوقاية منها، التأكيد أن يكون الإعلام عن ذوي الاحتياجات الخاصة جزءاً من سياسة الإعلام العامة وتشجيع إصدار المجلات والدوريات والنشرات المتخصصة في هذا السياق وإنتاج البرامج الإذاعية والتلفزيونية عن ذوي الاحتياجات الخاصة، عرض مواد إعلامية تثقيفية لأسر الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لتبصيرهم بمشكلات هؤلاء الأطفال وكيفية التعامل معهم والمساعدة على حلها، ضرورة التزام وسائل الإعلام بتقديم صورة صحيحة وايجابية عن الأطفال المعوقين وإقناعهم بأنهم أعضاء نافعون، ينتظر المجتمع عطاءهم، حتى يستعيد المعوق ثقته بنفسه، ضرورة استحداث برامج تعليمية إعلامية تربوية متخصصة تخدم كل المراحل التعليمية بهدف نشر مفهوم الإعاقة لدى الطلاب والطالبات، تحديد الأهداف الإعلامية المطلوبة بدقة وتقسيمها مرحلياً وزمنياً بحيث يشعر الناس بأن هناك مشكلة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياتهم وحياة أبنائهم وسلامتهم وسلامة المجتمع وأمنه، اختيار أفضل وسائل وأشكال الاتصال والإعلام الملائمة لكل فئة من فئات الجمهور المستهدف وإعداد المضامين التي تقدم من خلال وسائل الإعلام المختلفة، القيام بدراسات تحليلية مستمرة لكل ما تقدمه وسائل الإعلام ومتعلقة بقضايا الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة.

وتأسيساً على ذلك فإن وسائل الإعلام المختلفة والمتعددة يمكنها أن تتحمل هذه المسئوليات الكبيرة لخدمة المعوقين من الأطفال، وحينئذ يكون الإعلام قد أدى خدمة جليلة لأبناء المجتمع واضطلع بمسئولياته الجسام وصار أداة بناء وإصلاح، لا أداة هدم وإفساد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لابد من الاعتراف أن وسائل الإعلام العربية عموما والسعودية خصوصا لا تتحدث عن المعوقين إلا نادرا. وهذا يعتبر أكبر تقصير في حق هذه الفئة المهمة في مجتمعنا.وأنا سعيد أن أقرأ مقالا بصحيفة مكة يتحدث عن واقع الإعلام السعودي ومناقشته لصورة ذوي الحاجات.فأعتقد أن الإعلام عليه مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام هذه الفئة التي ابتليت بالإعاقة.

  2. أنا ممتن كثيرا لصحيفة مكة الالكترونية التي تقدم لقرائها مقالات مختارة بعناية.فمقال الأستاذ مصطفى قطبي حول صورة ذوي الاحتياجات الخاصة في وسائل الإعلام، هذا المقال يعتبر مرجع أساسي للكتابة عن الإعاقة.فألف شكر ولأتمنى لكم كل التوفيق

  3. أبارك خطواتكم الإعلامية المباركة ومن أعماق أعماقي أتمنى لكم التوفيق والنجاح في مشواركم الإعلامي المتطور.أنا معوقة وقضيت أجمل سنين عمري على كرسي متنقل لكن لم أفقد الأمل في الله سبحانه وتعالى، ولم أستسلم والحمد لله أشتغل بصناعة الصوف وأعول نفسي وأسرتي.لقد قرأت مقالكم وأعجبني صدقه ومنهجيته،ومن باب الاعتراف بالشكر، أشكركم كثيراً وأقول لكم إن الإعلام مقصر في حقوق المعوقين كثيرا وأبعد من الكثير، وللأسف فالعديد من وسائل الإعلام تتخذنا سخرية وتتندر على المعوقين..ولا حول ولا قوة إلا بالله وما شاء الله فعل.

  4. ويبدو أن نظرة المجتمع السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة تتغير إلى الأفضل ولكن بشكل بطيء، حيث ما زال كثير من الناس ينظرون إلى هذه الفئات نظرة عطف وشفقة تدل على أنهم أقل من غيرهم من الأفراد الأسوياء ظاهرياً، وهناك أقلية تنظر إليهم نظرة أكثر سلبية ويعتقدون أن هذه الفئات غير قادرة على التعلم والاندماج في المجتمع. وقد أثرت تلك النظرات على كثير من أفراد هذه الفئات للأسف وهزت مستوى ثقتهم بأنفسهم جزاء تلقيهم لكثير من الرسائل السلبية التي يسمعونها بآذانهم، أو يرونها بأعينهم في نظرات الناس، أو يلمسونها في طريقة التعامل معهم.

    للأسف فالمجتمع العربي ينظر للمعوقين نظرة دون المستوى.وقد ذكرها الكاتب في الفقرة المذكورة أعلاه.لهذا على وسائل الإعلام دور كبير في تصحيح صورة المعوقين أمام الناس وعدم ظلمهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com