
بقلم: مصطفى قطبي
لكل مرحلة من مراحل العمر سماتها الخاصة التي تتميز بها عن غيرها، وعلى اعتبار أن أية مرحلة زمنية تتطلب من المرء أن يعيشها بكل جوارحه وأحاسيسه ومشاعره، كان لابدّ إذاً من وجود أسلوب تعايش يفرض نفسه بشكل أو بآخر، كي يتمّ اجتياز هذه المرحلة بسلام، والمشكلة أن الكثير من الأطفال يقفون مكتوفي الأيدي أمام مراحل عمرهم، ويحارون في اختيار الأسلوب الملائم الذي يطابق كل مرحلة، ويتعثرون كثيراً أمام الصعوبات الجمّة التي تعترض طريقهم وتحول دون وصولهم إلى أهدافهم…
لذا كان لزاماً علينا نحن الكبار أن نتدخل، وأن نمسك بيد الطفل حتى نصل به إلى شاطئ الأمان… إن ما يعترض أطفالنا من مشكلات نفسية يعود معظمه إلى التخبّط في معايشة المراحل، وكي نصل إلى بناء جيلٍ جديدٍ متوازنٍ ومتواصلٍ مع مجتمعه ومتمسّكٍ بقيم أمته، لابدّ من إعطاء هذا الأمر حقه من الاهتمام والدراسة والمتابعة، فالتربية ليست تصرفات عفوية أو مواقف ارتجالية، بل هي مجموعة من الأسس والقوانين الحياتية التي يُعتمد عليها في تعاملنا مع أي طفل…
ـ إن الأطفال الصغار، الذين لم يبلغوا الثانية عشرة من عمرهم بعد، يطغى على تفكيرهم الخيال والتصوّر، فالخيال يطير بهم إلى آفاق بعيدة، ويكشف لهم أموراً من الصعب أن يجدوها في عالم الحقيقة، ويصوّر قضايا تجري في إطار بعيد عن الواقع المعاش… لذا علينا حين نتعامل مع هؤلاء الصغار أن ننمّي قدرتهم على التعبير، وعلى الإفصاح عن مكنونات أنفسهم، سواء عن طريق الكتابة أو عن طريق الحديث أو حتى عن طريق الحركات والتحكم في ملامح الوجه!
كما علينا أن نعوّدهم على أداء أعمالهم بأنفسهم، ومن دون الاستعانة بأحد أو الاعتماد على أحد، كما علينا أيضاً أن نشجعهم على إقامة علاقات اجتماعية وثيقة تربطهم بأصدقاء في الحي أو في المدرسة، كي يتحرروا تدريجياً من علاقات ثابتة مع الأم أو الأب فقط، والتي لا تكفي وحدها في دروب الحياة المعقدة.
ـ أما الأطفال الكبار، الذين تجاوزوا سن الثانية عشرة، فهم فعلياً قد بدؤوا الدخول في مرحلة المراهقة، وهي مرحلة حسّاسة لها طبيعتها وأزماتها، فعلينا أن نبحث عن حلول واقعية لمشكلاتهم المستجدة، علينا أن نفرّغ شحناتهم وطاقاتهم في تنمية مواهبهم وصقل هواياتهم، علينا أن نكثر من الأنشطة التي تعتمد على التنافس، وأن نعتمد على ألعاب حركية تنشّط أجسامهم وتنمّي قدراتهم، وأن ندفعهم إلى القيام برحلات خلوية في الهواء الطلق، لتنمية روح الجماعة لديهم عبر التعاون والتواصل، ولزرع محبة الناس ومحبة الطبيعة ومحبة العمل في نفوسهم المتعطشة إلى كل جديد.
ـ أما الفتيان الذين أوشكوا أن يغادروا عالم الطفولة، فهم بحاجة إلى تثبيت ثقتهم بأنفسهم، وهم بحاجة إلى تنمية الصفات التي تبني شخصيتهم المستقبلية، وهم بحاجة إلى التماس مآثر الرجولة في سلوكهم وتصرفاتهم، ولعل البرامج التربوية التي تتعامل مع هؤلاء، تستدعي الإقدام والمغامرة، وتميل إلى المخاطرة والزجّ في مواقف شجاعة، كما أنها تتطلب أن تكون هناك دراسات مستفيضة عن التراث عن التاريخ عن حضارة بلدهم وعن عظماء أمتهم، وأن يكون هناك إلمام شامل وكامل بجميع الظواهر العلمية التي يشاهدونها باستمرار في حياتهم اليومية، وأن يكون هناك خطّ سير جدّي يتمّ الالتزام به في غدهم القريب الذي بات قاب قوسين أو أدنى! بعبارة أخرى، نحن نسعى إلى الشخصية المثالية التي تتواصل مع الماضي وتتفاعل مع الحاضر وتحسب حساب المستقبل.
ـ أجل… نحن نسعى إلى بناء المواطن الصالح الذي يذوب في حبّ وطنه وأمته، نسعى إلى تكوين الطفولة السليمة التي أخذت حقها في التربية وحِصّتها من النمو، وحين نصل إلى المواطن السليم، نصل حتماً إلى الوطن السليم، لأن الوطن يستمد قوته من المواطن، والعكس كذلك هو الصحيح!
[/JUSTIFY]