المقالات

تفادي الانزلاق نحو الحرب الشاملة .. السعودية ..صوت العقل..في زمن الحرب..رفض منطق القوة..وتغليب الحوار

في ظل الحرب العسكرية بين إيران وإسرائيل المستعرة ،برزت السعودية كصوتٍ عاقلٍ ودعامةٍ أساسية للاستقرار الإقليمي والدولي. فمع انطلاق أولى شرارات الحرب، كانت الرياض من أوائل العواصم التي دعت إلى التهدئة وضبط النفس، مؤكدة أن استمرار التوتر في المنطقة سيقود إلى تداعيات خطيرة تتجاوز الحدود الجغرافية وتطال استقرار العالم بأسره.
السعودية، التي تدرك عمق وخطورة اللحظة، حرصت على الدفع نحو تغليب لغة الحوار بدلًا من منطق القوة. وتحركت منذ اللحظة الأولى للصراع على عدة مسارات متوازية، شملت التحركات السياسية والدبلوماسية، إضافة إلى مبادرتها الانسانية ، في محاولة لاحتواء الموقف وتفادي انزلاق المنطقة نحو حرب شاملة.
ولم تتأخر المملكة في إعلان موقفها الواضح من الاعتداءات الإسرائيلية، حيث عبّرت وزارة الخارجية السعودية عن إدانتها الشديدة لما وصفته بـ”الاعتداءات السافرة” التي تمس سيادة إيران وأمنها، معتبرة الهجمات انتهاكًا صارخًا للأعراف والقوانين الدولية.
هذا الموقف السعودي ليس جديدًا، بل يعكس نهجًا ثابتًا في السياسة الخارجية يقوم على احترام سيادة الدول، ورفض التدخلات، والوقوف ضد أي ممارسات تهدد الأمن الإقليمي والدولي. كما يعزز مكانة السعودية كقوة توازن إقليمي، تسعى دائمًا لإخماد النزاعات لا إشعالها.
ووسط ضجيج التصعيد والتجييش، تمثّل المملكة اليوم صمّام أمان حقيقي، يضع مصلحة الشعوب وأمن المنطقة فوق أي اعتبارات. وهي بذلك تؤكد أن دورها القيادي في الشرق الأوسط لا يقتصر على الاقتصاد والسياسة، بل يمتد ليكون ركيزة من ركائز السلم والاستقرار العالمي.
وفي ظل التصعيد الخطير في المنطقة، أجرى صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكد خلاله ضرورة تفعيل الحلول السلمية، وتلافي التصعيد، والعمل المشترك من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
كما تلقى سمو ولي العهد في الوقت نفسه اتصالات هاتفية من عدد من قادة العالم، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تناولت مستجدات التصعيد الإقليمي، وسبل احتوائه. وجددت المملكة من خلال هذه المحادثات مواقفها الثابتة، مؤكدة أهمية تبني نهج دبلوماسي لحل النزاعات، والتصدي لمحاولات التصعيد من خلال تعزيز الحوار وتوفير مناخ سياسي ملائم لنزع فتيل التوتر.
وشددت المملكة على أن استمرار التوترات لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأوضاع الإنسانية والسياسية في المنطقة، داعية المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته، والتحرك الجاد للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
كما أعلنت السعودية بشكل واضح وصريح رفضها القاطع لاستخدام أجوائها في أي أعمال عدائية، مؤكدة أنها تنأى بنفسها عن أي تصعيد عسكري، وتعمل على تحييد أراضيها عن أي استهداف مباشر أو غير مباشر، حفاظًا على سيادتها وسلامة شعبها.
وتأكيدًا لموقف المملكة الثابت، أجرى الأمير محمد بن سلمان، ، اتصالًا هاتفيًا بالرئيس الإيراني الدكتور مسعود بزشكيان، أعرب خلاله عن تعازيه ومواساته لفخامته وللشعب الإيراني الشقيق، ولأسر الضحايا الذين سقطوا جراء الاعتداءات الإسرائيلية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وجدد سمو ولي العهد إدانة المملكة واستنكارها لهذه الاعتداءات، التي تمس سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأمنها، وتمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية.
كما أكد سموه أن هذه الاعتداءات أسهمت في تعطيل مسار الحوار القائم لحل الأزمة، وعرقلة الجهود الدولية الرامية إلى خفض التصعيد والتوصل إلى حلول دبلوماسية. وشدد سموه على رفض المملكة لاستخدام القوة في تسوية النزاعات، وضرورة اعتماد الحوار كمسار أساسي لحل الخلافات وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وعلى الصعيد الإنساني، تحركت المملكة العربية السعودية سريعًا للتعامل مع الحالة الإنسانية الخاصة بالحجاج الإيرانيين.*
وقد وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – بناءً على ما عرضه سمو ولي العهد – وزارة الحج والعمرة بتسهيل جميع احتياجات الحجاج الإيرانيين، وتوفير كافة الخدمات اللازمة لهم، بما يضمن راحتهم وسلامتهم، إلى أن تتهيأ ظروف عودتهم إلى وطنهم وأهليهم سالمين، وذلك في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وليس هناك رأيان في أن العالم استيقظ فجر الجمعة على وقع تطور عسكري محوري يُعد من بين الأضخم في مسارات الحروب المدمرة، حيث شنّت إسرائيل حربًا مفتوحة بمعناها العسكري الشامل، تُعد الأوسع نطاقًا ضد إيران، استهدفت خلالها منشآت عسكرية ونووية، إلى جانب قيادات رفيعة المستوى من الصفين العسكري والسياسي.
وبعيدًا عن تفاصيل الأهداف والخسائر التي ألحقتها العملية – باعتبار أن الحرب لا تزال في بداياتها وتداعياتها مرشّحة للتصاعد – فإن ما يُثير القلق أكثر هو الملفات المعقّدة المرتبطة بانعكاسات هذا الهجوم على البيئة الجيوستراتيجية العالمية، والمشهد السياسي الإقليمي، والتوازنات الاستراتيجية الكبرى.
وفي خضم هذا التصعيد، تتحرك الدبلوماسية السعودية بشكل متواصل ومكثف، في أروقة الأمم المتحدة، وداخل البيت الأبيض، والكرملين، والإليزيه، في مسعى حثيث لإيقاف الحرب واحتواء تداعياتها، التي يُتوقع أن تطال الإقليم والعالم بأسره.
ويؤكد المراقبون أن الرياض حريصة على وقف الحرب وإنهاء التصعيد العسكري، كونه ليس في مصلحة المنطقة إطلاقًا.
ويشير المراقبون في الوقت ذاته إلى أن عملية “الأسد الصاعد” التي نفذتها إسرائيل، بمشاركة نحو 200 طائرة حربية، من بينها مقاتلات F-35 وF-15 وF-16، ترافقها طائرات تموين من طراز Boeing 707 باتجاه العمق الإيراني، لم تكن مجرد عملية ميدانية موسادية بامتياز، بل جرى التخطيط لها في دهاليز الدول العميقة، وفق حسابات دقيقة وحساسة، وبعيدًا تمامًا عن منطق “الحقل والبيدر” العربي.
ولا خلاف على أن عملية “الأسد الصاعد” في العمق الاستراتيجي الإيراني تُعدّ تطورًا مفصليًا على خارطة التوترات الإقليمية والدولية، إذ شكّلت هذه الضربة، المُهندسة من قِبل الموساد، اختبارًا حقيقيًا لقدرات الاستخبارات العسكرية الإيرانية.
وبعيدًا عن تحليل نقاط القوة والضعف الإيرانية، تطرح وتيرة الضربة الإسرائيلية سؤالًا جوهريًا:
هل تهدف هذه الحرب إلى فرض وقائع سياسية جديدة مرتبطة بالملف النووي الإيراني؟
لقد استوحى بنيامين نتنياهو اسم العملية الإسرائيلية التي شنها ضد إيران، “الأسد الساطع”، من نص توراتي يقول:
“شعب كالأسد يقوم.. وكالليث يشرئب.. لا ينام حتى يأكل فريسته ومن دم ضحاياه يشرب”.
وتعكس هذه العقيدة الدينية اليهودية الهدف الإسرائيلي، الذي لم يعد يقتصر على تحجيم القدرات الإيرانية فحسب، بل يمتد أيضًا إلى التأثير المباشر في الداخل الإيراني.
وتُعد السعودية صوت العقل في زمن الحرب، حيث تتحرك بشكل متوازن على كافة المستويات والمسارات الدولية، مسخرة جهودها لوقف الحرب وإعادة الأطراف إلى طاولة الحوار بدلاً من التصعيد باستخدام لغة القوة.
وتؤكد المملكة التزامها بالحفاظ على سيادة وأمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جانب دعم الأمن والاستقرار والهدوء في المنطقة، بهدف تفادي انزلاق الأوضاع نحو حرب شاملة قد تهدد استقرار الشرق الأوسط والعالم بأسره.
# محلل استراتيجي

فهيم الحامد

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى