عثرت اليوم، بين أوراق #أرشيف_عبدالعزيز_الصويغ، على رسالة قديمة من الأستاذ ماجد السيد (عبر موقع “فيسبوك”)، أبدى فيها ملاحظة ذكية: أن معظم السفراء السعوديين، وخصوصًا من الجيل السابق، يمتلكون ملكة أدبية لافتة، شعرًا ونثرًا.
وساق أمثلة معروفة مثل: الأستاذ الكبير حسن بن عبدالله القرشي، والدكتور غازي القصيبي، والدكتور عبدالعزيز خوجة، وغيرهم… بل ختم قائلًا إنه لاحظ هذه السمة كذلك في شخصي المتواضع.
ثم طرح سؤالًا محوريًا:
هل ثمة علاقة بين العمل الدبلوماسي، بما فيه من بروتوكولات وتعقيدات، وبين هذا الإبداع الأدبي الثري؟
وكان ذلك بتاريخ 14 يونيو 2023. وقد أجبته حينها… وها أنا أعيد الجواب بتأملٍ أوسع.
هل الإبداع انعكاس للمهنة؟
فكرت مليًا في هذا السؤال. وإن كنت أرى – من حيث المبدأ – أن ملكة الأدب أو الشعر أو كليهما لا تُولد من الوظيفة، بل من الفرد ذاته. فالإبداع، في نظري، يسبق المنصب ويتجاوزه.
فكم من الشعراء والكتّاب من جاء من مهنٍ أخرى، كالطب أو غيره، بل هناك من هجر مهنته تمامًا لأجل الأدب والكتابة.
حين كتب الأطباء الشعر… وأبدعوا!
الأمثلة عديدة في عالمنا العربي على أدباء كبار جاؤوا من خلفيات طبية، منهم:
• أحمد شوقي الفنجري: طبيب وكاتب إسلامي مصري، له أكثر من 30 مؤلفًا.
• علاء الأسواني: طبيب أسنان، مؤلف عمارة يعقوبيان وشيكاجو.
• مصطفى محمود: طبيب ومفكر وصاحب سلسلة العلم والإيمان.
• إبراهيم ناجي: طبيب وشاعر الأطلال.
• نجيب الكيلاني: رائد الأدب الإسلامي.
• يوسف إدريس: طبيب نفسي وكاتب مسرحي وروائي.
وفي المملكة العربية السعودية:
• د. عبدالله مناع: طبيب أسنان، ورئيس تحرير سابق لمجلة إقرأ، وأديب صاحب مجموعات قصصية ومقالات.
• د. عصام خوقير: طبيب أسنان، كاتب قصة ومسرح، صاحب السكر المر، والسعد وعد.
كما أثبتت الأجيال الجديدة من الأطباء السعوديين حضورًا لافتًا في الساحة الأدبية أيضًا.
المصدر: الهنوف الدغيشم – العربية
دبلوماسيون سعوديون… ونجوم أدب
وفي ميدان الدبلوماسية، يظهر جيل لامع من الأدباء السعوديين، ممن جمعوا بين تمثيل الوطن، والتمكن من الشعر والنثر، منهم:
• د. غازي بن عبدالرحمن القصيبي: سفير المملكة في البحرين ثم بريطانيا، وأديب لا يُنسى.
• حسن عبدالله القرشي: السفير لدى موريتانيا والسودان، شاعر كبير ومسرحي.
• د. عبدالعزيز محيي الدين خوجة: شغل منصب السفير في تركيا، روسيا، لبنان، ثم وزيرًا للإعلام.
• محمد الفهد العيسى: شغل مناصب دبلوماسية عدة بين 1972–2000، شاعر متجدد.
• محمد حسن الفقي: سفير في جاكرتا في الخمسينيات، وأديب معروف.
وهذه القائمة غيض من فيض… ولمن أراد التوسع:
إبراهيم مضواح الألمعي – نور بوك
لماذا قد يبرع الدبلوماسيون في الأدب؟
رغم أن الموهبة هي العامل الأساسي، فإن العمل الدبلوماسي قد يُثري التجربة الأدبية، لأسباب منها:
• التعامل مع ثقافات متنوعة، مما يوسع الآفاق الإبداعية.
• إتقان فن الكلام والبلاغة، وهو ما يتقاطع مع الكتابة الأدبية.
• الحساسية اللغوية المطلوبة في صياغة الخطابات والبيانات الدبلوماسية.
وهكذا، فإن العلاقة بين الدبلوماسية والأدب علاقة ثرية، لكنها ليست حتمية. فالإبداع يأتي من الموهبة الشخصية، وإن كانت البيئة الدبلوماسية قد تمنح الكاتب رحابة في التفكير وأدوات في الصياغة. وفي النهاية، كما قال أحدهم:
“الدبلوماسي الجيد يعرف ماذا يقول، والأديب الجيد يعرف كيف يقوله!”
بين “الناطق الرسمي”… و”الساكت الرسمي”!
أختم بطرفة دبلوماسية عشتها شخصيًا، حين انتقلت من منصب وكيل وزارة الإعلام للإعلام الخارجي إلى وزارة الخارجية، وكلفني حينها الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – برئاسة الإدارة الإعلامية، وأن أكون “المتحدث الرسمي” باسم الوزارة.
لكنني – نظرًا لحساسية الظروف آنذاك – أطلقت على هذه المهمة، مازحًا، لقب:
“الساكت الرسمي باسم وزارة الخارجية”!
وشبَّهت الأمر بأغنية فريد الأطرش التي كتبها مأمون الشناوي:
“ما اقدرش أقول آه
ما اقدرش أقول لأ
يمكن أقول آه
غيري يقول لأ”
الخاتمـــــــة
طالما نتحدث هنا عن الكتابة، فأنا أنحو في كثير من الأحيان إلى الكتابة الساخرة، التي أدرك أنها تتطلب كاتبًا من نوع خاص، لذا لا يجيدها كل كاتب، بل تحتاج إلى مهارات خاصة، كما أن لها قراءها. فهناك – كما ظهر من بعض مقالاتي الساخرة – من لا يعرف كيف يقرأ مثل هذه المقالات ويستوعب ما بين سطورها وكلماتها.
وبصراحة… ليس كل كاتب يجيدها.
وقد كتبت منذ سنوات سيرتي الذاتية تحت عنوان “خارج الصندوق: مسيرة حياة”، وكدت وقتها أن أعنونها:
“مسخرة حياة”، لو تركت لقلمي العنان، ولم أعمد إلى “الدبلوماسية” في انتقاء كلماتي، خشية أن تتحول تلك السيرة، أو المسيرة، من “عمل أدبي”… إلى شيء آخر!
أترك للقارئ الكريم أن يضع لها العنوان الذي يراه مناسبًا!
وأخيرًا…
الكتابة الساخرة، في رأيي، تُشبه هذه القاعدة:
“مش أي… أي
ولا زي… زي
ولا كل مين قال أنا باكتب…
كتيــــب!”