المقالات

طال انتظاري

جاءني صوته عبر الهاتف دغدغ مشاعري وحرك الساكن في داخلي قال اشتقت إليك ، عدت للتو من السفر سأكون في الحديقة التي شهدت أجمل لقاءاتنا بعد ساعة . أغلقت الهاتف وجلست في غرفتي أتأمل تلكم اللحظات التي ستجمعني به بعد طول غياب . ضممت الهاتف إلى صدري لعله يسمع دقات قلبي الملتاعة , يا الله سأراه بعد ساعة ؟؟؟ قمت فجأة وفتحت دولاب ملابسي وبدأت أتفقد الألوان أسود لا ..لا…. لا أريد أن أقابله به الأصفر عنوان الغيرة ولكن هل سأظهر غيرتي عليه من أول لقاء الأبيض الشفافية والصفاء ،،، لعله مناسب آآآآآآه وهذا الأحمر المغري نعم سأرتدي الفستان الأحمر وأعقد شعري بشريط أحمر لا لا لا … سأترك شعري حرا طليقا في الهواء عله يداعب وجهه حين أرتشف شفتيه بعد طول غياب . حسنا ،، سأبدأ . وهمست بصوت منخفض ، لكن لابد أن أستعيد ذكرياتي معه أولا. جلست فاتن فوق السرير ، وبدأت تسترجع الذكريات من خلال ألبوم الصور التي تحتفظ به منذ عامين ، حين غادر خطيبها إلى الخارج ، ليحصل على شهادة الدكتوراه، بينما هي تعمل معلمة في مدينة بعيدة عن أهلها . ذكريات رائعة، وصور أروع ، عاشت معها فاتن ولم تشعر بالوقت . وفجأة انتبهت إلى الساعة ، يا الله بقي على الموعد عشرون دقيقة فقط ، وبسرعة تناولت فستانها الأحمر وارتدته بسرعة ، وتركت شعرها محررا من القيود، وتجملت وتعطرت ، وذهبت مسرعة إلى الشارع ، تسبقها آمالها وأحلامها برؤية الحبيب . انتظرت فاتن على ناصية الشارع وقتا طويلا، تنتظر سيارة الأجرة ، وضاق صدرها ، حيث كانت جميع السيارات التي تمر ملأى بالركاب ، حاولت السير مشيا على الأقدام علها تقترب من الحديقة ، وإذا بأحدهم يقف بسيارته ويلوح لها بيده ، قائلا لها : أأوصلك يا حلوة ؟؟ ومن شدة لهفتها للقاء خطيبها وحبيبها لم تفكر وأجابت بنعم . وصعدت إلى السيارة وأخبرت الرجل بأنها تأخرت على موعد خطيبها ، بينما لم تخبره بوجهتها ، فقال لها الرجل : أهلا بك وتكرم عيونك سأوصلك ، وأدار المرآة ، ليراها أثناء الطريق ، وبدأ يتحدث معها: شعرك رائع لون وجاذبية وحلا. عيناك بحر عميق هل تسمحين لي بالغوص داخلهما ؟ أيتها السيدة لم لا تجيبين ؟ أنت ياإمرأة !!! ورفع صوت المذياع وهو يدندن معه بأغنية “بنده عليك بالحب تجيني” فانتبهت فاتن من شرودها ، وإذا بها تنتبه أنها تمر في حارة ضيقة ، وبيوت عتيقة ، وأشجار كثيفة . فقالت له : هذه ليست الطريق التي أريد ، إلى أين أنت ذاهب ؟ فأجابها بخبث : ولكنك لم تخبريني بوجهتك ؟ ودار بينهما جدلا كثيرا، وعلا صوتهما ، وصرخت به قائلة أنزلني هنا ،، هيا قف ، أنزلني هنا ألم تسمع ؟ ولكنه لم يستجيب لها، وتابع طريقه حيث شيطانه أخذه وبعد دقائق توقف عند أحد البيوت القديمة التي تغطيها الأشجار، وأخرج مفتاحا من جيبه ثم فتح الباب ، وقال لها تفضلي يا حلوة العينين لقد وصلنا ! ولكن فاتن ….. أبت أن تنزل من السيارة، وحاولت الاتصال بخطيبها الذي ينتظرها ، ولكن يد الرجل كانت أسرع من رنين الجوال ، فأختطفه من يدها بسرعة البرق وسحبها من يدها بكل قوته ، وأدخلها عنوة إلى المجهول . علا صوت فاتن ، وازداد تمردها . فجن جنون الرجل وشدها من شعرها ورماها أرضا ، فصرخت لعل أحدا يسمع صراخها فينقذها من براثن هذا الذئب البشري؟ ولكنها كانت تسمع صدى صوتها يرتد إليها فيصفعها على وجهها ، توسلت إليه أن يتركها في سبيلها ، وبكت عند قدميه بكاء مرا ، ولكنه لم يستجيب وأبى وازداد إصرارا وخبثا ، وقال لها : يا حلوة “لقد فار التنور” . كيف أتركك تذهبين وكل هذا الجمال بين يدي . واحمرت عيناه ، ووقف أمامها كالجلاد الشرس ، وحملها بكل قوته إلى فراش الرذيلة ؟ فصعقت فاتن حيث شاهدت السرير ، ورفسته بقدميها رفسة قوية فوقع أرضا ، وهربت مسرعة خارج الغرفة إلى الممر وهي متخبطة لا ترى أمامها من هول الصدمة ، ووصلت إلى الباب ، حاولت فتحه فلم تستطع ، ثم حاولت مرة أخرى وإذا بها تسمع ضحكته تجلجل في المكان ، فارتجفت خوفا منه ، ومن المجهول الذي وقعت فيه ، فهجم عليها كالذئب المسعور ،، وأمسك بشعرها وشدها إلى صدره قائلا : الباب مغلق يا حلوة العينين لا تحاولي مرة ثانية ،،، ورماها أرضا وهو يصرخ : أفهمت ؟ الباب مقفل ، مقفل ، مقفل . أسمعت يا امرأة . حاولت أن تجمع فستانها وتستر به ساقيها ،، فكانت نظراته تخيفها ، ونظراته تصعقها ، تركها عند الباب تفترش الأرض مكسورة الخاطر تبكي بحرقة حاضنة جسدها النحيل بكلتا يديها ، وذهب إلى الداخل ، لم يغب طويلا حتى عاد حاملا صينية القهوة ، جلس أرضا يحتسي قهوته ببرود وخبث وهو يكاد يفترس كيانها وأنوثتها بعينيه دون رحمة . نظرت إليه باشمئزاز، وتوسلت إليه أن يتركها تذهب لشأنها ، إلى خطيبها الذي لم تره منذ سنتين ، فسألها بتمرد : من هو صاحب الحظ السعيد الذي ينتظر هذا الجمال الرائع والدافئ ، هل هو أفضل مني ، فأومأت برأسها ولم تجب . فألح عليها بالسؤال ، فلم ترد ، فرمى بباقي فنجان قهوته عليها ، فلم تجبه فثارت ثائرته وهجم عليها كالمسعور وأخذ يلتهم وجهها ورقبتها الممتلئتين بالقهوة بعنف وخبث عله يحرك بها ساكنا . وكانت تدفعه عنها بكل ما تملك من قوة ، ثم تركها وأعاد السؤال ملحا بمعرفة اسم مالك قلبها ، فصرخ كالمعتوه من هو صاحب الحظ السعيد ألم تسمعيني أيتها العنيدة الشرسة ؟ فنظرت إليه باحتقار وقالت : وهل يهمك من يكون أيها التافه ؟ عد إلى رشدك واتركني وشأني ، ، فصفعها على وجهها حتى سال الدم من فمها ، فصرخت صراخا شديدا وقالت إن ،، إن ،،، إنه ،،،،، وما إن لفظت باسمه حتى انتفض وارتعد ، وكأن صاعقة وقعت فوق رأسه ، فطلب منها أن تكرر الاسم ثانية ،، فكررته مرة ومرتين وثلاثة وبصوت حاد ، فلم يتمالك نفسه من هول المفاجأة ، فانقلب حاله فهدأ وأصبح كالحمل الوديع فقال لها : ومتى عاد من سفره ؟ فقالت اليوم صباحا فهل تعرفه أنت ؟ ،، فلم يخبرها بشي ،، قام بسرعة البرق وفتح لها الباب قائلا : أخرجي أيتها اللعينة بسرعة ،، هيا أخرجي أي حظ سيئ وضعك أمامي اليوم . فتسمرت في مكانها ، لم تصدق ما تسمعه ، فدفع بها إلى الخارج بقوة وأغلق الباب خلفها بعنف شديد ، وتركها تسير تائهة ضائعة كالمشردة ، بقي هو على جلسته فوق الأرض قرب الباب يشرب قهوته ويردد ،، إنه صديق عمري ؟ إنه رفيق دربي ، كيف حصل ذلك ؟ إذن هي خطيبته التي طالما حدثني عنها ، ويح قلبي كيف سأقابله ؟ كيف سألبي دعوته لحضور حفل زفافه ؟ كيف ، كيف ، كيف ؟ ،، لا لا، لا يمكن ذلك، يا رب ماذا أفعل؟ . انطلقت فاتن بسرعة البرق في تلك الحارة الضيقة لا تدري أين تذهب ،، وكانت تلتفت خلفها خوفا أن يلحق بها ، حاولت الاتصال بخطيبها ، وجن جنونها حين وجدته مقفلا ،،، هامت فاتن في الطرقات على وجهها قرابة الثلاث ساعات وكانت تعاود الاتصال بخطيبها دون جدوى ، إلى أن افتكرت صديقتها “وداد ” فاتصلت بها وهي ترتعد خوفا وقلقا ، ثم ذهبت إليها ، علها تسترد أنفاسها قليلا وتهدئ من قلقها . وصلت إلى بيت صديقتها وقرعت الباب بجنون وخوف ، ففتحت لها وداد الباب ، ولكن فاتن ارتمت على الأرض من شدة الإعياء ،، فأمسكت بها وداد وأدخلتها غرفتها ، ثم أحضرت لها كأسا من عصير الليمون علها تهدأ قليلا. ثم جلست بقربها وهي تمسك بيدها ، كانت فاتن ترتجف وملابسها متسخة من القهوة ، وكذلك وجهها ورقبتها ، ودما جافا على ذقنها ، احتارت وداد ماذا تقول لفاتن ، هل تسألها ماذا حصل معها ؟ أم تنتظر لتتكلم وحدها ، وأخذت الوساوس منها كل مأخذ . قالت وداد اهدأي قليلا فاتن ، واشربي عصير الليمون ، لن أسألك عما حصل معك ، إلا إذا أنت بحت لي بذلك يا عزيزتي . فنظرت فاتن إلى وداد ورمت برأسها على صدرها وهي تبكي بكاء مرا وتتمتم بكلمات غير مفهومة ، وكانت وداد تداعب شعر فاتن وتقول لها لا تبكي يا صديقتي فالحياة فيها الكثير من المفاجآت والصعاب ، وهي مريرة ولا بد أن نتغلب على صعابها ونبحث عن الفرح فيها . صمتت فاتن ، وصمتت وداد ، وبقي صدى صمتهما يغلف جو الغرفة . مضى الوقت بطيئا عليهما معا ، واقترب وقت الغروب وكانت فاتن خلال الوقت تتصل على خطيبها مرة تلو مرة ولكن لا حياة لمن تنادي . فلا يزال جواله مقفلا ، فبدأت الشكوك تساورها ،، لم جهازه مقفل رغم أنه وصل ، ومشتاق لي ، وتواعدنا لنلتقي ،، ولماذا لم يتصل ليطمئن علي ، ويسألني عن سبب تأخيري عن الوصول إليه ؟ نسيت فاتن ما حصل معها وهي تفكر بمن أحبته حبا كبيرا ، وانتظرته عامين كاملين ليعود حاملا شهادة الدكتوراه ، ثم يتزوجا. أمضت فاتن تلك الليلة عند صديقتها وداد ، واستأنست وداد بفاتن رغم أنها تمنت أن يكون لقائهما بغير نكد ولا هموم . وطلع فجر يوم جديد ،، تناولتا القهوة معا بهدوء حذر ،، كل واحدة تنظر للأخرى علها تبدأ بالكلام. ثم قطعت وداد الصمت وقالت : فاتن هل أنت بخير اليوم ؟ فاتن : ربما أكون بخير يا وداد حين يفتح خطيبي جواله وداد : هل وصل خطيبك من السفر ؟ فاتن وصل البارحة صباحا ، وكنت ذاهبة بشوق للقائه ،،،، ثم صمتت. وداد : وبعد يا فاتن هل تلاقيتما، أخبريني كيف كان اللقاء ،، ماذا قال لك ؟ أين الهدايا التي أحضرها لك ؟ هل اتفقتما على موعد الزواج ؟ يا سلام يا فاتن سأشتري أجمل فستان لأرتديه يوم زواجك؟ فاتن ،، فاتن ،، فاتن ،، ما بك لم لا تردين ،، هل أنا أسهمت في الكلام ؟ نزلت دمعة حارقة جرحت وجه فاتن ، فمسحتها وداد بكل حنان ، ولم تنبس ببنت شفة . بدأت فاتن تبوح لوداد بما حصل معها يوم أمس ، كانت تتكلم بوجع ، يحبه بكاء صامت محرق ، فربتت وداد على ظهر فاتن وقالت لها : أخطأت يا فاتن بصعودك لسيارة ذلك الرجل الوقح ، والحمد لله أنه لم يلمسك ذلك الذئب البشري ، اهدئي يا صديقتي لنفكر معا ، ترى لماذا تركك حين سمع اسم خطيبك ؟ هل يعرفه ؟ هل هو أحد أقربائه ؟ إنه أمر محير .الحمد لله أنك استطعت أن تخرجي من هذا الموقف المؤلم وأنت بخير . فاتن هيا اتصلي الآن لعل خطيبك يجيب ،، واتصلت فاتن أكثر من مرة وكانت تسمع صوت رنين جواله ، فرحت واستبشرت خيرا ، ،، الآن سيرد ، رد ،، رد ،، ولكنه لم يجب ، فقالت بهمس ربما تعب أمس ونام ولم يذهب إلى الموعد. وعاودت الاتصال ،، يا رب يرد ،، رد ،، رد ،، رد ، فلم يجب . فازدادت حيرة ، إنه يرى رقمها ،، لماذا لم يجب ،،إذن ما الأمر انتظرت فاتن طوال النهار على أمل أن يتصل ، أو يرد على اتصالاتها المتكررة دون فائدة ، وفي المساء ذهبت إلى بيتها متثاقلة الخطى ، منكسرة النفس موجوعة القلب . ورمت بجسدها فوق سريرها المفروش بالصور ، وغطت في سبات عميق لم تصح منه إلا على رنين جوالها ، وصوت مديرة المدرسة تسألها عن سبب غيابها فانتبهت فاتن للوقت ، واتسعت حدقتا عينيها وشهقت يا الله لقد فات على الدوام ساعتين . كانت تشعر بصداع غريب وحرارة تأكل جسدها وارتعاش خفيف في أطرافها ، قامت متثاقلة وحاولت الاتصال بخطيبها عدة مرات فلم يجب ، تركت الجوال جانبا، وبدأت تجمع الصور المبعثرة هنا هناك ، مرة تضعها في الألبوم ، ومرة تتحدث معها وتبكي بحرقة والأفكار السيئة لا تتركها ، ثم جمعت أشلاء نفسها المبعثرة ، وشربت قهوتها ، وطوال الوقت شاردة ، خائفة ، باكية لا تدري ماذا تفعل ؟ ولم تجد نفسها إلا ماشية على الطريق الموصل لحديقة أحلامها وذكرياتها ، ماضية في طريقها لا تنتظر موعدا ، ولا سيارة أجرة . وخلال ساعتين وصلت الحديقة وهي متعبة فجلست على أول مقعد قابلها ، تسترد أنفاسها ، ثم أسرعت إلى متوجهة إلى نفس المقعد الذي شهد قصة حبها ، لترتمي عليه بشوق السنين ،،، وقبل أن تصل إليه شاهدت خطيبها وحوله مجموعة من الناس ،،، فاقتربت بسرعة تريد أن ترتمي بأحضانه ، ولكنها صدمت من هول ما رأت !! فتسمرت في مكانها ، لعل غشاوة حطت فجأة على عينيها فلم تتأكد مما رأت ،، فركت عينيها بقوة ،، وصرخت هذا أنت أيها النذل ؟؟ ماذا تفعل هنا ؟؟ وما علاقتك بخطيبي ؟؟ واستدارت فاتن إلى خطيبها وصرخت في وجهه أين أنت ؟؟ ومن هذا الرجل القذر الذي معك ؟ ومن تكون هذه المرأة ، وهذا الطفل الرضيع ؟؟ فتسمر الجميع وهم ينظرون إليها ؟ فلم يجبها خطيبها!! ولم يتقدم خطوة واحدة نحوها أو يسلم عليها . كما لم ينفث ذاك الرجل الذي أخذها إلى فراش الرذيلة ببنت شفة !! ومضت دقيقة وكأنها دهرا على فاتن والجميع مندهش وصامت . فاقتربت منها المرأة وقالت لها بلهجة عربية مكسرة عفوا ،،،، من ،،، أنت ؟ أ و لا .. وتابعت بصعوبة أ نا ،،، زوجته ،، وهـذا ،،، ا لطفل ،،،، ثمر ة ،، حبنا وهذا ،،،، ا لرجل ،،،،، صديقنا وقبل أن تكمل المرأة كلامها ، سقطت فاتن على الأرض مغشيا عليها ، ولم تصح إلا في المستشفى ، وصديقتها وداد بجانبها ، تخفف آلامها .

وسيلة الحلبي

• عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين •

عضو اتحاد الكتاب والمثقفين العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى