المقالات

الكلمات العربية الجميلة (١-٢)

تطورت اللغة العربية في شِبه جزيرة العرب؛ حيث قَطَعَ فيها أهلها شوطًا كبيرًا قبل مجيء الإسلام، فلما اكتملت اللغة العربية بنغمها وأشكالها أصبحت أجمل اللغات، ومن ثُم نزل بها القرآن الكريم من أعالي السماء ترسلها الروح العالية الخالدة بحروفها وكلماتها إلى الأرض؛ حيث ينبثق منها إبداع مُدهش.
اتخذ العرب قبل مجيء الإسلام اللغة العربية كوسائط لغوية يعبرون بها عن مشاعرهم وعواطفهم، ويشرحون بها تأملاتهم، ثم اتخذوها من بعد كوسائط تشكيلية يبدعون بها تشكيلات؛ حيث تنتشي لها القلوب.
أبدع الشيخ الشاعر العلامة أحمد أفندي الفخري الموصلي العمل الفني المُرفق من الحروف والكلمات ثم أعطى لهُ عنوان (قصيدة يونس)، وهي تحتوي على أحد عشر بيتًا من الشِعر عبَّر فيها عن مدْح النبي يونس عليه السلام وهو بداخل بطن الحوت، صوَّر الشيخ الشاعر الفخري الموصلي بكلماتهُ الحوت؛ حيث يبدو كأنه يسبح مُترنحًا في الماء فخورًا بأنه يحمل في بطنه نبي، ثم أخرج كلمات القصيدة في شكل يشبه دائرة أو زهرة، أخرجها في نِسق وإبداع مُدهش.
لم نعثُر على معلومات كافية عن حياة الشيخ الشاعر أحمد أفندي الفخري الموصلي، كذلك لم نعثُر على أعمال أُخرى لهُ، ولم نعلم في أي زمان أو مكان عاش، ولكن الأرجح كما يبدو من لقب اسمهُ أنهُ عراقي الهوية؛ وذلك نِسبة إلى اسم عائلتهُ (الموصلي)؛ حيث إنه غالبا ما كان يُسمى أسماء عائلات الأشخاص بأسماء المُدن والمناطق التي يُولَدون فيها أو التي يعيشون فيها؛ مما يدُل ذلك أن الشيخ الشاعر الفخري الموصلي وُلِدَ أو عاش في مدينة الموصل بالعراق، والأرجح أنه عاش في الفترة التي ازدهرت فيها بغداد يومُ كانت بغداد تُسمى مدينة السلام نحو ما بين عام 700 و1450 ميلادية أو ما قبل ذلك أو ما بعد ذلك، كذلك لا نستبعد أن لقب (أفندي) المُلحق باسمهُ يعود إلى اللقب الذي كان مُتداولًا أثناء فترة حُكم الإمبراطورية العثمانية للبلاد مما يشير ذلك إلى أن الفترة الزمنية التي أُنتجت فيها القصيدة المُرفقة كانت تقْع في تلك الفترة الزمنية.
يحتوي العمل الفني المُرفق على أحد أساليب الأعمال الفنية العربية والإسلامية التي كانت تنتشر في الفترة الزمنية التي كانت تزدهر فيها الحضارة العربية والإسلامية في وطننا العربي. يقع تصنيف العمل الفني المُرفق تحت ما يُسمى (فن القصيدة البصرية العربية)، فالقصيدة المُرفقة كما نراها تتكون من حروف وكلمات مُتشكلة، وهي قصائد قليلة ونادرة، ولم نر لها مثيلًا في عصرنا الحديث؛ مما يوحي لنا بأن هذا النوع من القصائد البصرية العربية انقرضت أو ربما في طريقها للانقراض.
حسب المعلومات الموثقة لم نعثُر إلا على عدد قليل من القصائد البصرية العربية أبدعها عدد قليل من الفنانين العرب في تلك الفترة الزمنية بعضها موقعة بأسماء مُبدعيها والبعض الآخر مجهولة الهوية، لِذا وجدنا صعوبة في الاستدلال على معرفة المعايير الفنية والتشكيلية التي كانت يستخدمها الفنانون العرب وقتئذ؛ فلقد ذابت القصائد البصرية العربية أو طُمست أو مُزقت أو حُرِقت مع اندلاع الحروب فلم يبق منها إلا فتاتًا.
بالرغم أننا لم نعثُر على معلومات كافية عن المعايير الفنية التي تتشكل بها القصيدة البصرية إلا أنه يبدو لنا خلال مُشاهدتنا للقصيدة أن التصميم العام لشكل القصيدة يشبه شكل دائرة أو شكل زهرة فجمعت بداخلها تصنيفًا فنيًا تشكيليًا يميل إلى التصنيف الهندسي، ويميل أيضًا إلى التصنيف التشخيصي.
كذلك نرى في رسم التفاصيل مثل تكرار الأشكال المُنطلقة من مُنتصف اللوحة وانعكاسها، وتماثلها يشير السِمات التشكيلية التي يتميز بها الفن الإسلامي، وهي كثيرة ومعروفة مثل (التكرار)، و(التماثُل)، و(الانعكاس) فضلًا عن أننا نلحظ أن الشيخ الشاعر الفخرى الموصلي استخدم في قصيدتهُ حروف كلمات مُقطٌعة، فأوحى لنا بأنهُ تأثر بالحروف المُقطٌعة التي جاءت بالنص المُقدس في عدد من سور القرآن الكريم، فأضفى بذلك على قصيدتهُ حالة روحية مُقدسة.

فنان و ناقد تشكيلي
هولندا- أمستردام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى