
الباحة – عاش حياة مليئة بالتحديات والطموح والإصرار والعزيمة من أجل تحقيق أهدافه التي رسمها أمامه منذ الصغر، مواصلاً تعليمه مرحلة وراء مرحلة ليلتحق بالسلك العسكري من خلال كلية الملك عبدالعزيز الحربية محققاً أول طموحاته ليتخرج برتبة ملازم وينضم إلى ميادين الشرف والعز والكرامة خادماً لدينه وقيادته مدافعاً عن وطنه ، ولم يتوقف به الطموح إلى هذا الحد ، بل ازداد طموحاً وإصراراً وعزيمة وحباً في خوض التحديات وعشقاً للمصاعب وشغفاً في طلب العلم والتزود بعلوم المعرفة، فواصل تعليمه الأكاديمي حتى حصل على درجة الدكتوراه ، التحق بالعديد من الدورات العسكرية المختلفة، وتقلد الرتب العسكرية والعديد من المناصب القيادية، وعايش الكثير من الأحداث.
إنه ضيفنا في هذا اللقاء عبر صحيفة “مكة” الإلكترونية من خلال زاوية (مواقف ومذكرات أمنية) اللواء الركن الدكتور متقاعد ظافر الثابتي الشهري قائد المنطقة الشمالية الغربية سابقاً.
أهلاً ومرحباً بك سعادة اللواء:
– عرف القراء الكرام على اسمك كاملاً من خلال هويتك الوطنية ومكان ولادتك ونشأتك وحياة الطفولة؟
ظافر بن علي الثابتي الشهري، مواليد قرية السرو محافظة النماص في ١٣٧٧/٧/١هـ.
نشأت في تلك القرية الحالمة الجميلة بمروجها الخضراء وحدائقها الغناء وأهلها الكرماء .. ومن لا يعرف قريتي فهي على الطريق الرئيسي المؤدي لمكة المكرمة، وكانت في الماضي تستقبل الحجاج عندما كان الحجاج يذهبون إلى مكة مشياً على الأقدام من الهند، وباكستان، وشرق آسيا، واليمن، وأفريقيا.. كما كانت تقوم بضيافتهم وإكرامهم، وكان فيها أحد أكبر الأسواق القديمة في المنطقة عموماً وهو سوق الأربعاء .. حيث يتوافد إليه أهل المنطقة عموماً للبيع والشراء والتقاضي والإصلاح بين المتخاصمين، ومن ميزة قريتي الجميلة كسائر القرى أنه كان أي من رجالات القرية وكبارها يربي كقيم الأسرة تماماً وكان يبني في الناشئة حب المكارم واستقبال الضيف وحسن وفادته وكسب المراجل من تعلم الرماية والصيد والمشاركة في رقصات الحرب العنيفة مثل المداقيل بالبنادق والعرضات المختلفة وتعلمنا الصبر وعدم الخوف والشجاعة من أولئك الآباء الشمخ. تلك هي نبذة مختصرة عن النشأة.
– أين تلقيت تعليمك في جميع مراحلك الدراسية ؟
كانت الدراسة على عدة أوجه: تعليم عام، وتعليم عسكري مهني، وتعليم أكاديمي .. فكانت دراسة الابتدائية والمتوسطة بمدرسة شمال السرو الابتدائية بقرية المولد، وكانت تتمتع المدرسة بمستوى عال جداً من المهنية التعليمية وجودة التعليم.. ويرجع ذلك إلى عدة عناصر أساسية: أولها: حرص الآباء والأمهات رحمهم الله على تفوق أبنائهم في التعليم ومتابعتهم متابعةً دقيقة. الوجه الثاني: هم أولئك النخبة من المعلمين الأفاضل الذين كانوا مثالاً للإخلاص وحمل الأمانة من أبناء الوطن الغالي ومن الأشقاء العرب وخاصةً أبناء مصر الكنانة الغالية، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ الفاضل ومدير الابتدائية غرم المقر عليه رحمة الله حيث كان نموذجاً للمربي الفاضل، وبعده الأستاذ عبدالرحمن سلمان العمري والأستاذ فايز العمري، إلى أن انتقلنا إلى المرحلة المتوسطة حيث تولى إدارة المدرسة أحد الأعلام الذين كان لهم دور بارز في تكوين شخصياتنا وصقل المواهب بما يمتلك من قدرات فذة في الإدارة والمعرفة وهو الأستاذ والمربي الفاضل الأستاذ عبدالخالق عمر الغامدي فقد كان ذا شخصيةً نافذة، وقد تخرج على يديه جيل ذهبي كانوا بدون استثناء لهم أدوار متميزة في خدمة هذا الوطن ضباطاً وطيارين ومهندسين وأطباء وأستاذة جامعات فحق لنا أن نفخر بأستاذنا ومعلمنا الفاضل وحق له أن يفخر بأبنائه الذين لا زالوا يكنون له كل المحبة والاحترام، ومن كان معه من المعلمين الأفاضل سواء من السعوديين أو الأشقاء العرب وخصوصاً المصريين، وهناك عامل آخر ساهم في ذلك وهو التنافس والغيرة والحرص على سمعة المدرسة بين المدارس بالمنطقة حيث كان لذلك دور كبير في الارتقاء بالعملية التعليمية والمواهب الأخرى، وعلى سبيل المثال كانت الأنشطة الرياضية والثقافية والمجتمعية تأخذ دوراً بارزاً في أنشطة المدرسة وأذكر على سبيل المثال أن المدرسة كانت تصدر مجلة دورية باسم (قناديل) وكانت تشحذ الهمم على الكتابة والإبداع والثقافة، كما كان للمعلمين دور كبير في تعليم الخطابة ومواجهة الجمهور فقد كان يعطى كل منا موضوعاً معيناً لإلقائه في جامع القرية بعد صلاة الجمعة ويقيم من قبل المعلمين وكذا في الأنشطة الثقافية والاحتفالات العامة.
وبعد المرحلة المتوسطة لم تكن هناك بالقرية مرحلة ثانوية وكانت هناك بدائل متعددة أما دراسة الثانوية في النماص وهي تبعد عنا كثيراً بحكم صعوبة الطرق آنذاك أو الدراسة في معهد إعداد المعلمين أيضاً في النماص أو الدراسة عند أحد الأعمام في الرياض إلا أنه ومن عشقنا آنذاك للسلك العسكري متأثرين بالأقارب حيث كان والدي رحمه الله يعمل في الحرس الملكي وكنت أعجب ببزته العسكرية وشخصيته الفذة وكذا عمي محمـد بن سعيد رحمه الله حيث يعمل ضابطاً في القوات الجوية آنذاك وكثيراً من الأقارب وأبناء القبيلة الذين كانوا يعملون في السلك العسكري وقد كنت وقتها مولعاً بحب الحياة العسكرية وكانت قد افتتحت ثانوية عسكريه بالخرج تتبني الطلبة وتهيؤهم للكليات العسكرية، فقد قررت أنا وبعض الزملاء التوجه للثانوية العسكرية ، وأتممنا الدراسة الثانوية بتلك المدرسة النموذجية حيث كانت تضم خيرة القادة والمعلمين عسكريين ومدنيين وأذكر على سبيل المثال العقيد غازي الحميد رحمه الله والمقدم حمود الخماش أمده الله بالصحة والعافية. وكثيراً من المعلمين المتميزين وكانت المدرسة عبارة عن ثكنة داخلية تجمع بين التعليم العسكري والمدني مما أضفى على شخصياتنا قدراً كبيراً من الانضباط والتعليم العسكري الذي أحببناه، ومع الانتهاء من المرحلة الثانوية كانت هناك خيارات متعددة لكل طالب وهي إما الالتحاق بالكلية الحربية أو الجوية أو البحرية،
وقد كنت قد اخترت الجوية لعشقي للطيران آنذاك ولكن كانت الأمواج تجري بما لا تشتهي السفن، فلم أجتز اختبار الفحص الطبي للطيران لمشكلة في العين اليسرى لم تكن ظاهرة ولم يكن لها تأثير على أي شيء إلا أن الطيران يحتاج إلى كشف متناهي الدقة، فكان الخيار الآخر هو الكلية الحربية، والتي عشقتها وعشقت تدريبها وبرامجها، وكنت أستمتع بكل ما فيها من قسوة وتدريب عنيف كان له أثر كبير في صقل شخصياتنا العسكرية، حيث كان يقوم على تلك الكلية خيرة القادة والمعلمين، وكان في مقدمتهم قائد الكلية الهمام اللواء عبدالعزيز ابن الشيخ أمده الله بالصحة والعافية حيث كان من القادة الأفذاذ الذين يعلمون بسلوكياتهم وأخلاقهم وشخصياتهم قبل قيادتهم كان قدوةً تقتدى ومثلاً يحتذى أثر في شخصياتنا وفي بقية حياتنا العسكرية، إضافة إلى نخبة متميزة من القادة والمعلمين عسكريين ومدنيين لايتسع المجال لذكرهم حيث أضفى علينا علمهم وقدراتهم القيادية الشيء الكثير، وبعد التخرج حصلت على العديد من الدورات العسكرية الداخلية والخارجية المؤهلة للعمل إما في المجال الأكاديمي فقد حصلت على دورات لغة إنجليزية في الداخل ودبلوم لغة إنجليزية من أمريكا وأساليب وطرق تدريس، وماجستير علوم عسكرية من كلية القيادة والأركان السعودية، وزمالة كلية الحرب بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وشهادة الدكتوراه في استراتيجية الأمن الوطني.
– لماذا اتجه اللواء ظافر للسلك العسكري دون غيره من الأعمال ؟
كما سبق وأن ذكرت في السؤال السابق كان حبنا للسلك العسكري ينبع من حب وعشق أهلنا ومعشرنا لخدمة الوطن ومقدساته ومقدراته وولاة أمره كانوا يعتبرون كل عمل يقومون فيه هو خدمةً للوطن ومن هنا كانت البداية.
– أين قضيت خدمتك العسكرية من بعد تخرجك من الكلية حتى تقاعدك ؟
قضيتها في معظم وطننا الغالي المنطقة الجنوبية كانت البداية ثم المنطقة الشمالية الغربية ثم العودة إلى المنطقة الجنوبية ثم المنطقة الشمالية ثم الوسطى ثم الشمالية الغربية ثم الوسطى ثم الشمالية الغربية بما يفوق عشرون قرار نقل.
– تخرجت من كلية الملك عبدالعزيز الحربية برتبة ملازم وبعد سنوات عينت قائداً لصرحها الشامخ ما هو شعورك وأنت تقود هذا الصرح الذي كنت أحد طلبته العسكريين ؟
الكلية الحربية هي (الكلية الحربية مصنع القادة . ومنبع الوطنية السعودية العريقة) عليه فهو شرف كبير وفخر عظيم لأي ضابط أو ضابط صف أو مدني أن يساهم في بناء القادة من خلال العمل في التعليم أو التدريب في هذا الصرح الشامخ فضلاً عن أن يكون قائداً لهذه الكلية العريقة والتي تعتبر أيقونة ورأس سنام الكليات المحلية والإقليمية، ولعلي أكون محقاً في أن هذه الكلية كانت أحد المراجع المهمة لكثير من الكليات المحلية والإقليمية. بما تمتلك من عراقة وخبرات متراكمة ساهم فيها الكثير من القادة والأساتذة والمفكرين على مدى عقود، أما شعوري فقد كان شعوراً ممزوجاً بالفخر والاعتزاز من جهة والخوف وثقل وأمانة المسؤولية من جهةً آخري حيث علمت أنني سأكون مسؤولاً أمام الله سبحانه ثم الوطن وولاة أمره وقواتنا المسلحة عن تخريج قاده أكفاء للوطن وقواته المسلحة وأنني سأكون تحت المجهر من أولئك الطلبة الذين يراقبون كل صغيرة وكبيرة ويقتدون بها كما كان لي ولزملائي قائد كليتنا وقادتنا حين كنا طلبة وأنني مسؤول أمام كل من ذكرت عن تعليم أولئك الطلبة وتأهيلهم وانضباطهم وإخلاصهم وحبهم للوطن ومعنوياتهم ورسم الطريق لهم ليكونوا أولئك القادة الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل هذا الوطن الغالي.
– قضيت آخر سنوات عملك قائداً للمنطقة الشمالية الغربية ماذا تعني لك هذه الفترة ؟
قيادة منطقة مثل المنطقة الشمالية الغربية بما تمتلك من إمكانات ووحدات مهمة صعبة ومسؤولية جسيمة، كما أن المحافظة على جاهزية تلك الوحدات ومهنيتها الميدانية والقتالية يحتاج إلى جهد كبير ومتابعة دقيقة ورسم خطط مستجدة ومكملة لما كان من خبرات متراكمة سابقة عليه عمدت إلى عمل سياسة قائد المنطقة والتي اشتملت على العديد من العناصر فيما يخص الجاهزية والتدريب والمعنويات والمحافظة على الممتلكات وتنمية القدرات والاهتمام باللياقة البدنية والصحية وبث روح التنافس بين الوحدات في المجالات المتعددة والحث على الابتكار والتطور وحيث إن قيادة المنطقة تهتم في جزء من واجباتها بالمقاتلين وعوائلهم سواء داخل المدينة العسكرية أو خارجها فقد كان لهذا الجانب دور مهم من جوانب الاهتمام بتوفير وسائل الراحة والترفيه إضافة إلى النواحي الصحية وجودة الحياة من خلال البرامج والأنشطة المتعددة ولم يكن دور قيادة المنطقة يقتصر على الجانب العسكري فقط (وحدات ، وسكن وعوائل) بل كان يتعداه إلى الارتباط بمحيطنا المدني في المنطقة والدوائر الحكومية الأخرى متمثلًا في مقام الإمارة وأفرع الدوائر الحكومية وإقامة الروابط المتعددة للإيفاء بالمتطلبات وإيضاح أن القوات المسلحة هي نقطة الارتكاز بعد الله سبحانه في أي حوادث أو كوارث لا قدر الله بما تمتلك من إمكانات متعددة وتدريب إضافة إلى إيجاد روابط بين المدنيين والعسكريين وإبراز دور المقاتل والوحدة مما انعكس إيجابًا على جنودنا ووحداتنا وأصبحوا يحظون بتقدير واحترام متميز لدى الدوائر الحكومية ومواطني المنطقة وقد أقيمت الكثير من الأنشطة المختلفة والتعريفية بدور القوات المسلحة مما أضفى طابعًا من الفخر والاعتزاز بالقوات المسلحة وهنا لابد من وقفة وإشادة بصاحب السمو الملكي أمير المنطقة الأمير (فهد بن سلطان) فقد كان خير معين وخير داعم ومن بعده الزملاء ومنسوبي الدوائر الحكومية المختلفة فلسموه ولهم جميعًا كل الشكر والتقدير.
– عايشت أحداث عاصفة الصحراء ثم عاصفة الحزم وإعادة الأمل كيف رأيت هذه الأحداث من خلال طبيعة عملك كأحد ضباط القوات المسلحة؟ وماذا استفدت منها؟
هناك وقفات كثيرة ومتميزة في تاريخ هذا الوطن الأغر سواءً كانت تاريخية أو سياسية أو اقتصادية أو مجتمعية منذ قيام الدولة السعودية الأولى وإلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أعزه الله وولي عهده ، لا يتسع المقام لذكرها في هذه العجالة إلا أن هناك أحداث ووقفات سياسية خالدة وحاسمة لهذا الوطن وولاة أمره كانت تلك الوقفات علامات فارقة وحاكمة في تاريخ وطننا الغالي والمنطقة بل ويتعدى ذلك إلى أمن واستقرار العالم بأسره وأنه لن يجحد ذلك إلا جاحد ولن يتجاهله إلا جاهل . أول هذه الوقفات كان موقف المملكة تجاه غزو الكويت واستقبال المملكة للقوات الشقيقة والصديقة التي ساهمت في تحرير الكويت ولا بد هنا من وقفة لإيضاح الأهمية الإستراتيجية والمكانة الجغرافية للمملكة حيث إنها قلب العالم وتتحكم في مفاصل الروابط بين شرق وغرب العالم ومما أذهل المشاركين ما تمتلكه المملكة من بنية تحتية جبارة وكأن تلك القوات قطرة في محيط متلاطم إضافة إلى وفرة السلع والمنتجات الاستهلاكية عسكرية كانت أم مدنية مما أذهل العالم أجمع آنذاك، ويعلم الجميع أن المملكة تحملت جل أعباء تلك الحرب ابتداءً باستضافة أشقائنا الكويتيين وتسخير الإمكانات للمجهود الحربي وكان للملك فهد آنذاك كلمته المشهورة التي عبر بها عن حكمة وسياسة هذا البلد وحكامه وشعبه حين قال مقولته المشهورة (نحن والكويت بلد واحد يا نعيش سوا أو نموت سوا)
بينما كانت المملكة قبل ذلك بأشهر معدودة وعلى مدار ثماني سنوات تدعم البلد الغازي في حربه ضد إيران وكان دعمًا سخياً بكل إمكانات المملكة هذه أحد الوقفات التي لن تمحى من تاريخ الوطن وتعتبر خطاً فاصلًا في تاريخه وتاريخ المنطقة.
الموقف الثاني كان لقيادة هذا الوطن عندما تآمر الفرس المجوس وأحذيتهم في المنطقة وخارجها على مملكة البحرين الشقيقة وكيدت المكائد وأعدت العدة لقلب نظام حكم البحرين لصالح روافض إيران وأحذيتهم واتخذت القيادة السياسية قرارها وكلفت قوة درع الجزيرة في أقل من 24 ساعة لمساندة الأشقاء في البحرين مما أفسد تلك المخططات وساهم في أمن واستقرار البحرين الشقيقة وصفع ملالي إيران ومن لف لفهم بخيبة أمل عظيمة بعد أن كان تحقيق حلمهم قاب قوسين أو أدنى مما سيكون له أخطار عظيمة على المنطقة بأكملها.
الموقف الثالث: عندما وقفت المملكة بثقلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والجغرافي والوجودي بجانب أشقائنا المصريين عندما تأمر المتآمرون في مصر وخارجها على النيل من وحدة واستقرار مصر وبتشجيع ومؤازرة من دول عظمى ودول تابعة ومستخدمة لتلك الدول وخونة المجتمعات وأندالها مما استدعى أن يبادر ولاة أمر هذه البلاد وبما يمثله دور المملكة كرمز للأمة العربية والإسلامية في أن تتحمل نتائج الموقف وتقف بكل حزم للتصدي لذلك المشروع الخطير ولم يكن موقف سمو الأمير (سعود الفيصل) رحمه الله منا بغائب ولا بعيد وهو يعاني المرض من أن يسافر لشرح الموقف للكثير من الدول ابتداءً بفرنسا وغيرها ليقلب موازين الخونة ومن كان وراءهم لصالح مصر وشعب مصر ذلك الموقف الحازم كان له ما بعده في تاريخ مصر والأمة العربية بأسرها، جاءت بعد ذلك زيارة الملك (عبد الله بن عبدالعزيز) رحمه الله التاريخية لمصر ومقابلة الرئيس السيسي وتسخير إمكانات المملكة لصالح مصر وكان لهذا الموقف العظيم أثره البالغ في استقرار مصر إلى يومنا هذا وإفساد المخططات الخبيثة التي كادت تنال من مصر ومن خلفها الأمة العربية والإسلامية.
الموقف الرابع: هو قيام عاصفة الحزم وإعادة الأمل المباركة التي يوزن كل يوم فيها بجبال الذهب حيث كان لخادم الحرمين الشريفين الملك (سلمان بن عبد العزيز) حفظه الله وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير(محـمد بن سلمان) وفقه الله الكلمة العليا والفعل الحازم في ردع أطماع الفرس المجوس في الاندساس باليمن وتبعيته لملالي إيران من خلال شرذمة خبيثة وميلشيات مدعومة من إيران ومن لف لفهم من خفافيش الظلام وأحذية الملالي في المنطقة وخارجها حيث قامت تلك العاصفة المباركة لإيقاف تلك المخططات وإعادة الشرعية لإخواننا اليمنيين والوقوف إلى جانب الشعب اليمني بكل قدرات وإمكانات المملكة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وجغرافياً وتشكيل التحالف المبارك لصالح الأمة بأسرها، ذلك غيض من فيض مواقف الوطن الغالي وولاة أمره الذين يبذلون الغالي والنفيس لنصرة الحق والعدل ولتبقى الأمة العربية والإسلامية العزيزة شامخة بتاريخها ومجدها وحضارتها الإسلامية العريقة
– من خلال عملكم كضابط في القوات المسلحة لابد من مصادفة بعض المواقف، ماهي أبرز المواقف التي لازالت في ذاكرة اللواء ظافر الشهري؟
هناك الكثير والعديد من المواقف التي لا تعد ولا تحصى وكان أبرز تلك المواقف التي كان لها وقع كبير وتبين معادن وأصالة وإخلاص وحب الوطن من قبل أبناء هذا الشعب ممثلًا في القوات المسلحة أنه عندما كنت قائداً لمعهد سلاح المدرعات وطلب منا عدد محدود من الضباط والأفراد لإكمال شواغر الوحدات القتالية التي تم تحريكها لجبهات القتال لقتال ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران وأذنابها وعندما اجتمعت بمنسوبي المعهد فوجئت أن الجميع يتسابقون على المشاركة فقلت سبحان الله هم أولئك أبناء هذا الوطن يتسابقون للتضحية بالدماء والأنفس لحب هذا الوطن وكنت أنا والزملاء في صراع شديد مع الكثير منهم لماذا فلان وأنا لا وكل منهم يتسابق ويصر على المشاركة مع العلم أنه يعلم أنه سينتقل آلاف الكيلومترات بعيدًا عن أهله وأولاده تلك هي معادن أبناء هذا الوطن وذخره، موقف من مواقف مماثلة كثيرة لا يتسع المقام لذكرها .
– هناك اختلاف في المهام والمسؤوليات ماهي المهمة أو المسؤولية التي توليتها ولازلت تفتخر بها حتى الآن؟
توليت العديد من المناصب والمسؤوليات القيادية والتعليمية وفي مجال التخطيط للعمليات والبحث والتطوير ومن وجهه نظري كل عمل من هذه الأعمال له ميزته الخاصة التي تتناسب مع رتبته ووظيفته وذلك العمل وتلك المسؤولية وأنا افتخر كل الفخر أن الله سبحانه وتعالى منّ عليّ بأن وفقت أولا ً وقبل كل شيء برضا الله سبحانه وتعالى ثم بثقة ولاة الآمر ثم برضا ومعاونة ومساندة زملائي الكرام في كل محطة من محطات الوظائف والمسؤوليات التي توليتها وكان كل أولئك بعد الله سبحانه وتعالى ثم رضا ودعاء الوالدين السبيل الأبرز فيما تحقق من نجاح وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يتجاوز عني في أي خلل أو تقصير غير مقصود في أي محطة من تلك المحطات .
– أذكر لنا أهم ما سطره رجال القوات المسلحة من مواقف خلال الاشتباكات القتالية مع العدو من خلال ما رأيته كونك القادة العسكريين.؟
يكفي أبطال القوات المسلحة مانراه ونلمسه من قدرة قتالية ومهنية عالية ( براً ، وبحراً ، وجواً ) ولو تأملنا ورجعنا للحروب العالمية والإقليمية لوجودنا أن أبطالنا استطاعوا بقدراتهم العالية ومهنيتهم المتناهية الدفاع عن هذا الوطن بكل اقتدار وصد تلك الهجمات الخبيثة المدعومة من إيران وأذنابها سواء (براً ، وبحراً ، وجواً) يكفيهم فخراً أنهم أحبطوا ذلك الكم الهائل من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والتي يندر أن استخدم مثل تلك الأعداد في أي حرب من الحروب الإقليمية أو العالمية مما أثار دهشة العدو قبل الصديق هم (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) بإخلاص وتفاني واقتدار وولاءً وإخلاصاً ومحبة للوطن ومقدساته وشعبه وولاة أمره لهم ادعوا وألقي التحية تقديراً وإجلالاً .
– لابد ما نقل اللواء ظافر تعازي القيادة الرشيدة لذوي شهداء من رجال القوات المسلحة كيف كنت تجد ذوي الشهداء في لحظة تواجدك بينهم؟
يا الله ذكرتِني بمواقف ولحظات لا أدري كيف أعبر عنها ولكن لا أعبر عنها لا بالحزن ولا بالألم لكني أعبر عنها بكل الفخر والاعتزاز حيث كانوا يقابلوننا جميعًا وبدون استثناء بأنفس راضية محتسبة يعزوننا في زملائنا ويباشرون ويهنئون أنفسهم وربي باستشهاد ذويهم دفاعًا عن الوطن ولعل الكثير منهم يقدم أبنائه ويقول بالحرف الواحد والله لو استشهدوا جميعًا إنني أعلم أنهم في سبيل الله ودفاعًا عن مقدسات الوطن أن يدنسها أي معتدي وطاعةً لولي الآمر ، بل وقف أحدهم في حفل رسمي لذوي الشهداء وحلف بالله لو تطلب الأمر أن يقدم نفسه وبقية أهله وأولاده لم يتردد والكثير منهم يطلب إبلاغ هذا الأمر لولي الأمر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وكما قال الشاعر (أولئك قومي فجئني بمثلهم ..إذا جمعتنا يا جرير المجامع) كل الفخر والاعتزاز بأبناء وطني.
– لا تخلوا مثل هذه اللحظات من المواقف المؤثرة ما هو الموقف الذي لازال عالقاً في أذهان اللواء ظافر؟
موقف تلك السيدة التي تتجاوز الثمانين من عمرها وعند تقديم العزاء وقفت كالجبل الشامخ وهي تقول بصوت مليء بالصبر والاحتساب والله ما أرضعته بثديي هذا ولا ربيته إلا لمثل هذا الموقف أما هو في سبيل الله واستشهد دفاعا عن الوطن ماذا أرجو بعد هذا، ولعل الله يقبله في الشهداء ويدخلني بشفاعته الجنة ما يربى الصبيان إلا ليوم يحمون فيه الأرض والعرض، صحيح ولدي لو انه مات في حادث أو مرض بكيت عليه الليل والنهار لكن أبكي عليه وهو استشهد في سبيل الله ودفاعا عن الوطن الله يقبله الله يقبله ذاك موقف من مواقف وأولئك الأمهات الصادقات هن الأمهات اللاتي امتلأت قلوبهن حباً للوطن .
– من خلال مسيرتك العملية وفقاً للأنظمة هناك من يقول إن العمل يختلف من منطقة لمنطقة: هل هذا راجع للأشخاص والتباين في تطبيق النظام ؟
الشخص هو من يوفر بيئة العمل وفقاً للأنظمة ولمتطلبات العمل نفسه وليس للمنطقة والمكان أي تأثير على العمل أبداً من وجهة نظري الشخصية.
– كيف يرى اللواء ظافر من يتعامل مع مرؤوسيه بالغلظة والشدة والدونية؟
القيادة تعتبر محبة وتعاون وبذل وعطاء وقدوة وحسن تعامل ومشاركة وأخذ وعطاء، وأرى أن تلبس القيادة كل ثوب جميل من المعاني الحميدة، وقد حددت الأنظمة واللوائح ضوابط ذلك التعامل من واجبات وحقوق وقبلها الإسلام ورسولنا صلى الله عليه وسلم خير قدوة ومثل في ذلك. ولعل موقفه صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر خير دليل على ذلك عندما أتاه أحد الجند الذي لم يكن من كبار الصاحبة ولكنه جندي من الجنود وقال له يا رسول الله ( أهذا منزلاً أنزلك الله إياه أم هي الحرب والمكيدة فقال صلى عليه وسلم بل هي الحرب والمكيدة . فقال ننزل في أقرب ماء من بدر فنشرب ولا يشربون ونسقي ولا يسقون فنزل الرسول عند رأيه وكانت من أحد أسباب النصر) هي القيادة والإدارة الحقة في أبهى وأجمل صورها ويكفينا هذا الدرس من رسول الأمة.
– ماذا تعلمت من هذه السنوات الطويلة التي قضيتها في المجال العسكري بالقوات المسلحة؟
تعلمت الكثير والكثير من الدروس المهمة منها الصبر وقوة التحمل وأهم ما تعلمته وأحببته زملاء الخدمة من القادة الأفذاذ الذين تعلمت منهم الكثير، والضباط وضباط الصف والمدنيين الذين استفدت من كل واحد منهم فائدة أو أكثر بما سطروا من محاسن أخلاق وتفاني وحب للوطن وإبداع وتضحيات حيث كانوا بالنسبة لي نجوم لامعة تهدي ليل الساري ليصل إلى مبتغاه بكل أمان.
– ماذا يقول اللواء ظافر عند النقد الإعلامي الذي يتم من خلاله إصلاح القصور فيما يقدم للوطن والمواطن من خدمات؟
النقد الإعلامي الهادف البعيد عن المغالطات والمزايدات والذي ينقد للنقد نفسه والذي لا يثير بعض الأمور التي ينبغي أن لا تثار وهدفه التصحيح أعتقد أن ذلك يصب في مصلحة الجميع ولابد من الوقوف عند ذلك، إلا إن الإعلام في الوقت الحاضر يشوبه الكثير من التزييف والمغالطات بل والإثارة غير المبررة، عليه أرى أن يوجه مثل ذلك لصاحب الشأن في أي مجال من المجالات الخدمية والاجتماعية من خلال المقابلات والأسئلة وإبداء الرأي لتصحيح مثل ذلك .
– بعد رحلة عمل قضيتها متنقلاً بين مناطق المملكة كيف تقضي برنامجك اليومي بعد هذه المسيرة المليئة بالعطاء والإنجازات؟
أقضى الوقت متنقلاً بين القراءة وكتابة بعض التجارب الحياتية لإثراء خبرات الجيل ببعض تلك الخبرات والتجارب، ومن وجهة نظري أن الوطن يتطلب من كل واحدٍ منا جهداً كبيراً في خدمته فقد أعطانا الوطن الكثير، والتقاعد ليس نهاية الطريق، وهو حياة جديدة يلتقط فيها الواحد منا أنفاسه، ويعود للماضي بتجاربه وما تعلمه ويفيد بها في قادم الأيام ولابد أن يسخر الإنسان نفسه في إثراء المعرفة بكل ما يوفق له من علم وخبرة وليكن جاهزاً للإفادة بما يلزم لما يخدم وطنه واستقرار أمنه.
– ماذا تريد أن تقول لزملائك الأبطال المرابطين على حدود الوطن الذين كنت من ضمنهم ومن ذادوا عن حياضه وحماية مقدراته؟
أقول لهم يا حماة الدين والمقدسات وروح الوطن. الوطن يفتخر ويفاخر بكم ويحتفظ لكم بكل المحبة والتقدير، أنتم من تكسر على صخرة عزائمكم وهممكم الراسخة ومهنيتكم وقدرتكم العالية وإخلاصكم لوطنكم وولاة أمركم شوكة من أراد لهذا الوطن ومقدساته وشعبه السوء من شراذم الروافض ومن لف لفهم. أنتم حماة الوطن، وفلذة كبده لن تضاروا أبداً فأنتم على الحق منصورين ، أعداؤكم بقدرة الله سبحانه مدحورين، نصركم عز ورفعة، وشهادتكم حسنة وجنة. تقاتلون من أجل المقدسات والأرض والعرض وتحمون بلاد الحرمين وقبلة المسلمين وقد قلت سابقاً وفي أكثر من مناسبة أنها إذا كانت جيوش العالم تفتخر وتفاخر بأنها تدافع عن أوطانها ففخركم وشرفكم وعزكم أنكم تدافعون عن وطنكم ومقدسات أمة بأكملها، وذاك شرف وفخر ليس بعده شرف وفخر ، يتمناه كل مسلم صادق مخلص لوطنه ومقدساته لكم خالص الدعاء بأن يثبت الله أقدامكم وينصركم على عدوكم ويحميكم ويحفظكم ويشفي جرحاكم ويتقبل شهداءكم في عليين ، قبلة حارة على جبين كل واحداً فيكم بملء محبة الوطن . أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
– بماذا تريد أن تختم هذا اللقاء ؟
أختتم هذا اللقاء بأنني فخور جداً بوطني وولاة أمره وشعبه وقواته المسلحة الباسلة فقد أعطاني الكثير والكثير. داعياً الله سبحانه وتعالى أن يديم عليه نعمة الأمن والأمان في ظل قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى (سلمان بن عبد العزيز) حفظه الله ، وولي عهده الهمام صاحب السمو الملكي (الأمير محمـد بن سلمان) وفقه الله، والمخلصين من أبناء هذا الوطن ودامت قواتنا المسلحة حارساً أميناً ودرعاً حصيناً لبلدنا الغالي ومقدساته مع شكري وتقديري لكم في صحيفة مكة الإلكترونية على هذا اللقاء وتميزكم المهني.