منتدى القصة

ارتحال..

على جدار السفينة، كتبت عبارة محى الابحار ملامحها، عاكسًا مدى عمرها وأقدميتها، هناك حيث ترنو عيون المسافر وحده، رمق بعينيه التي ضاقت كأنما يسهم ذلك في تقريب الرقم المستقر في مقدمتها ليتأكد من أنها المنشودة، ثم جرى بناظريه من أعلاها وحتى المظلة التي استقرت في آخر السفينة، هناك تعثر بصره بذات الرقم مكتوبًا بطريقة أوضح، ليدلف حيث ينتظره مقصورة صغيرة، تقوده نحو أمنيته الكبيرة..
وضع حقيبته بتعجل ليمشي في ممرات يراها للمرة الأولى، سرعان ما اعترضه الدرج المؤدي إلى أعلى، هناك صعد بينما يرفع رأسه بهدوء ويرنو نحو حافة ما يراه، لوهلة سمع صوت محرك السفينة ومكبر الصوت الذي يدعو جميع المسافرين إلى لزوم مقصورتهم استعدادً للإبحار، عاد أدراجه بينما يلمح بين الحين والآخر مسافرًا وآخر..
مشى نحو النافذة الصغيرة ليودع بعينيه اليابسة، ويبحث بعبث بين الوجوه التي تودع أحبائها علّه يجد بينها من يعرفه..
أمال بناظريه ناحية السرير وهناك بدا له كأن البحر يهدهده ويواري خيبته بهدوء، أغمض عينيه ليغرق في الظلام الذي لم يمنعه من تخيل الأصوات التي يسمعها في مشاهد مرئية..
لمح بين الصور المتخيلة صورًا مألوفة بدت كأنما تحوم من حول رأسه مستغلة اغماض عينيه، هناك حيث قرر أن يخبرها أنه لا يكترث بصحبتها، ففتح عينيه في تثاقل..
شعر كأنما مر من الوقت ساعة أو تزيد، ورمقت عينه الساعة المعلقة في مقصورته ليزال الشك باليقين، إنها ساعة الغروب، لطالما تمنى أن يراقب هذا المشهد، انفعل بحماسته التي لم تنعكس على خطواته الثقيلة وتعابيره الجامدة، صعد حتى مقدمة السفينة، وهناك وقف بينما يرى البحر يحاصره من كل جانب، تتبع تدرج اللون الأحمر حتى وصل إلى قرص الشمس، بدا شديد الذبول، وواهن الشعاع، وانتشرت الحمرة من حوله كأنما ينزف بغزارة، لمعت عيناه وهي تراقب غرق الشمس وسط الأمواج وتناهى لسمعه من هبة نسيم بحري صوتها وهي تستنجد، إنها تغرق حقّـًا، أمسك بقبضته الحافة بينما يحاول استراق السمع لما بين الموجة والأخرى، ومرت الدقائق دون أن يسمع ما تنامى له مرة أخرى، لكنه رأى كيف اختفى القرص ببطئ فأسدلت السماء لون الحداد ببطئ كأنما أسدل الستار على المشهد الأخير..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com