المقالات

قليلًا

سبحان الذي علَّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، علم آدم الأسماء كلها، والملائكة تقول له جل في علاه: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، والحقيقة الجلية فعلًا كما قيل بأن العلم نور، وهو أيضًا سمو وسعادة وبهجة وسرور، العلم يأخذك إلى أبعادٍ من الرونق والجَمال، لم تكن تخطر يومًا على بال، العلم سلاح ضد الجهل والتخلف، العلم جبلٌ نائف بين غابات الانحلال والتطرف، يزيد معرفتك بعظمة من سوّاني وسوّاك، ويعلو بفِكرك إلى سماء ملأى بالنجوم والأفلاك.

كلما تعلّمت وكأن عقلك يقول لك: زدني علمًا، يهمس همسًا: انبذ جهلًا واطرد همًا، كلما تعلمت وددت أنّك لو استطعت لمشيت في أرضه ذات الزبرجد واللآل، ولشربت من بعض أنهاره العذبة الزلال، ولتذوقت من نتاجه ذي الطعم الشهي، ولشممت من شتى أنواع ورده الندي، ولأخذت عطاءً من كريم عطاياه، ولوددت أن تمكث ولا تبرح إحدى زواياه، ولكنت شخصًا لا يعرف ولا يفهم غير لغة السِّلم، ولا يسمع ولا يرى ولا يتحدث غير العلم.

ولا خلاف على أن هناك فروقًا شاسعة في كل الشؤون، بين من يتعلمون ومن لا يتعلمون، لذا نحتاج أن نملأ قلوبنا من مناهل المعرفة والقيم، لنكون أمةً سامقةً في مقدمة الأمم، نحتاج أن نتعلم المسالك الصحيحة نحو الإيمان، نتلو مرارًا وتكرارًا آيات من القرآن، نقرأ تارةً إثر تارة سيرة أشرف إنسان، لتكون عونًا لنا على أن نتغير إلى الأفضل، وأن تكون كل سكنه من سكناتنا في شكلها الأمثل، وسيُساعدنا ذلك أن نغير ما بأنفسنا وما بنفوس الكثيرين، حتى يغيرنا الله لنكون من المتقين والمحسنين والشاكرين.

كلما تعلمت ارتقى العلم بك حامدًا قانعًا متواضعًا، وشمختَ به شموخًا بكونك مؤمنًا بالله ساجدًا راكعًا، وكلما تعلمت طغت إنسانيتك على أفكارك، وظَهَر ذلك على أقوالك وعلى أفعالك، تكون عامرًا بالحب والصدق واللين، وتبصر بقلبك عظمة رب العالمين، وتشعر بأنك تعرف التفاؤل حق المعرفة، وتُلازم الثقة أبهى مُلازمة، وتُشكل أنت وكل ما هو خير قوة في التحالف، وتتسلح بالشجاعة والقناعة والبراعة، وتصبح أرضًا خصبه قابلة لزرع الخيرات، عوضًا عن أن تكون قاعًا صفصفًا لا تمسك ماءً ولا تُنبت كلًا.

تعلّم فما تتعلمه اليوم تجده أمامك غدًا، دين وعلوم وأدب وثقافة وفن، بحرٌ من الكنوزٌ التي لا تُقدر بثمن، العلم هو البحر الذي يجب عليك أن تغوص فيه، تعلّم فإن أردت أن يعطيك فلا بد أن تُـعطيه، يقول المعلم اليوناني سقراط: (قبل أن أحظى بالتعليم كنت أعتقد أني أعرف شيئًا ما، لكني الآن على يقين أني لا أعرف شيئًا)، وأقول لك ولنفسي أنه مع المرور السريع للوقت، تجد أنك فعلًا أدركت، بأنك لا تزال تتعلم وتتعلم، وأن أمامك الكثير والكثير لتعرفه، وأختم بقول الله تعالى: (وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا).

تعليق واحد

  1. رائع دائما في كل كتاباتك ومتألق موفق استاذ حسن وبالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com