المقالات

وما زال للفساد بقية…؟!

منذ أن أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في لقاءٍ تلفزيوني عام 2016 مقولته الشهيرة (لن ينجو فاسد كائن من كان)، وشياطين الفساد يتهاوون واحدًا تلو الآخر أمام هذه العبارة التي باتت كالسيف البتّار على رؤوس المفسدين، أو كمبضع الجراح الذي يُستأصل به العضو الفاسد في الجسد حتى لا يفسد الجسد كله، فقد أكدت هذه العبارة على مبدأ مساءلة المسؤول مهما كان موقعه ومركزه، ومهما بلغت درجته العلمية عن التجاوزات المالية والمخالفات الإدارية وأوجه القصور في الخدمات المقدمة للمواطن في كافة مناطق ومحافظات المملكة؛ وذلك بهدف القضاء على التلاعب بالمال العام، ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتوفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم بها الدولة -رعاها الله- في شتى الميادين والمجالات .

ومن هذا المنطلق فإن الفساد يُعد من أخطر مظاهر الصراع الاجتماعي والسياسي على مر العصور والأزمنة، والمتتبع لتلك الظاهرة يتبين له أنه ما انهارت أمة من الأمم إلا وكان الفساد من أكثر العناصر فاعلية في إسقاطها، ويعد الفساد المالي من أخطر أنواع الفساد على الإطلاق؛ وذلك نظرًا لكونه يصيب الجهاز الإداري في الدولة بالشلل التام ويجعله غير قادر على النهوض بالمهام المنوطة به، وذلك نتيجة للآثار السلبية الضارة والهدامة المترتبة عليه، فهو كالسوس ينخر في جسد الأمة والوطن، ويؤثر في كيان المجتمع بأكمله !

وما قضية الفساد المالي التي أعلنها البيان الصادر من الديوان الملكي مؤخرًا، ودارت أحداثها الشيطانية في جامعة الملك عبد العزيز بجدة إلا واحدة من تلك القضايا التي باتت كالسرطان الذي ينهش في مقدرات وخيرات البلد من أناس خانوا العهد وخرقوا كل الأعراف والقوانين، ولم يكونوا على قدر المسؤولية والأمانة التي حملوها؛ حيث جاء هذا البيان بناءً على ما رفعته تحقيقات هيئة مكافحة الفساد نزاهة والتي أثبتت تورط مدير الجامعة باستغلال النفوذ والسلطة، والقيام بالعديد من التجاوزات، منها ما يخص التعاقدات في مجال الاستشارات، والإشراف على المشاريع والبحوث، إضافة إلى استغلال التفويض على عدد من حسابات الجامعة البنكية. واستغلال النفوذ الوظيفي، والتفويض الممنوح له على عدد من الحسابات البنكية للجامعة والتحويل منها، وكذلك جرائم غسيل الأموال من خلال تحويل الأموال المختلسة، وشراء العقارات، بالإضافة إلى جرائم التزوير، عن طريق إبرامه لعقود صورية وتضمينها بيانات مخالفة للواقع؛ وذلك بهدف الاستيلاء على المال العام حيث بلغت قيمة كل هذه التجاوزات نحو نصف مليار ريال، وهو ما يجعلنا نقف في ذهول وصدمة كبيرة أمام هذا الرقم الكبير الذي لو صرف على الخدمات وكراسي الأبحاث والمشاريع اللوجستية للجامعة لكانت في مصاف الجامعات العالمية كمًا وكيفًا، وهو ما يجعلنا نتساءل كم بقي بيننا من يظهر الولاء والانتماء وهو يختلس ويرتشي في الخفاء؟!

وختام القول.. فإن المملكة تعيش حاليًا لحظات «مفصلية» في تاريخ حربها على الفساد، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبتوجيهات عُليا من مقام خادم الحرمين الشريفين، ولأن الطريق إلى مكافحة الفساد لا يقتصر على أجهزة الدولة المعنية بهذا الداء الفتاك، فإن نجاح الدولة في محاربة الفساد ومكافحته والطريق إليه لا تكفي له التشريعات وحدها مهما كانت قوتها‏..‏ ولا التحريات مهما كانت دقتها، ولا المحاكمات مهما بلغت شدتها‏..‏ بل يجب الترويج لثقافة مكافحة الفساد، بين المواطنين وإنتاج البرامج التثقيفية في وسائل الإعلام المختلفة التي تحذر منه، وكذلك تضمين برامج التعليم ومناهجه لمواد تعليمية تناقش قضايا الفساد والآثار المترتبة عليها سواء على المجتمع أو على حتى على مستوى الأفراد .

وخزة قلم:
التشهير بالفاسدين يعد علاجًا فعالًا لكل من تسوّل له نفسه أخذ المال العام بدون وجه حق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى