المقالات

عطيه ظاهرة غير عادية

عندما يكتب الكاتب عن شخص وهو على قيد الحياة فقد يفسرها البعض بأنها مجاملة من الكاتب لذلك الشخص وإن كان بينهما سابق معرفة فقد يكون التفسير لها بأنها ذات هدف ولكن ماذا تفسرون الكتابة عن شخص قد توفى وانتقل إلى جوار ربه وماذا ترون لو أنه لا سابق معرفة بين الكاتب وذلك المتوفى ؟ أظنكم تشاركوني الرأي بأن ذلك يعتبر قمة الوفاء الذي لا يرجى من ورائه ثناء إلا أن الكاتب اعتبر هذا من واجبه تجاه ذلك الشخص الذي ظهر محبوه في وقت محنته وامتحانه بالمرض ثم ظهروا أكثر عندما فارق الحياة الدنيا بالموت الذي سيلاقينا جميعا مهما فررنا منه بأسباب الدنيا وملذاتها وزخارفها وشهرة بعض رموزها ففي النهاية سيتساوى الجميع أمام ذلك الباب الذي لابد الولوج منه مهما كانت ظروفنا في الحياة .

إن ما دعاني لهذه المقدمة لمقالي هو الموت الذي غيب عن المجتمع الشاعر عطيه السوطاني الزهراني الذي لم تربطني به علاقة من قبل غير علاقة الاستماع والمشاهدة لبعض الحفلات التي شارك فيها في أكثر من منطقة ومن خلال تجربته الشعرية التي قاربت ثلاثة عقود كنت من المعجبين بقصائده وتمكنه من ناصية الشقر في البدع والرد بغض النظر عن الذي يحصل على منصات الشعر من محاورات ونقض وفتل في ساحة الشعر فهي ظاهرة طبيعية بين شعراء العرضة وكذا القلطة والمحاورة لأن فيها تحدي بين الشعراء يستوجب اثبات الوجود وهذا ما يفعله معظم الشعراء الشعبيين في حفلاتهم بين جمهورهم كما يفعل اللاعبون في ملاعب الرياض باستعراض أجمل فنونهم في كسب المستديرة على المستطيل الأخضر حتى لو خرج البعض مصابا فهو يرى أنه أنصف نفسه أمام غيره .

سبق وأن مرضت قبل عقد ونصف وأجرى معي الصديق الإعلامي فالح الصغير لقاء بعد أن شفيت من ذلك العارض الصحي المؤلم وكان من بين العناوين أنني قلت بعدما رأيت كثرة من زارني في التخصصي : مرضي كشف لي حجم علاقتي بالناس فكنت خجولا أمام وفاءهم لي وتقصيري في حقوقهم .. وقلت : صدمت بموت والدي وأنا في سن مبكر وعشت على الكفاف أبني نفسي بنفسي . انتهى كلامي.

وهنا يمكن استعير من اللقاء المطول الذي أجراه الدكتور محمد حمدان المالكي مع الفقيد عطيه السوطاني بعد لقاء سابق أجراه معه في مجلة فواصل وكان الفقيد عطية – يرحمه الله – مسددا في إجاباته المرتجلة لم يهضم حق أحد من زملائه القدامي والمبتدئين وكان شفافا ولم يعزو نجاحه في ميدان العرضة لأي شخص بل اعتز بنفسه وهو الواثق بأنه وقف وأثبت وجوده أمام جميع الشعراء الذين واجهوه وواجههم وهو ابن القرية البسيطة في تهامة الباحة التي عاش فيها مع أسرته حتى عام 1417هـ حيث انتقل لمدينة جدة وبدأ يبني لنفسه مكاناً شامخاً في الغربية التي قال عنها أنها المحضن الكبير الذي اتسع لحفلات جميع القبائل بغض النظر عن الدعوات التي تجعله ينتقل لمناطق ومحافظات المملكة للمشاركة في حفلات الزواج وبعض المناسبات العامة وكان يردد كلمة الوطن والوطنية في معظم اللقاء وكان شفافا ومحترما لنفسه ولغيره مما زاد إعجابي به.

تحدث عن جمهوره في ذلك اللقاء قال لا أحصيهم وكان مداعبا جيدا في بعض إجاباته للدكتور المالكي وصاحب إجابات قصيرة تحمل في طياتها الكثير من المعاني والقيم السامية كان اللقاء كشفا جميلا لثقافته حول كل ما أثاره اللقاء من أسئلة وتساؤلات حول ما يحصل في الميدان من قصائد توحي بالكثير من المعارضات بينه وبين بعض الشعراء الذي لم ينفيها ولم يثبتها بأنها مقصودة بالإساءة أكثر مما هو التحدي بين شاعرين أو أكثر من حيث القارعة التي يعتمدونها ويعتبرها عادية إلا أنه أكد محاربة بعض زملاء الشعر له ومع هذا فقد أثبت وجوده ومقارعته لهم واعتزازه بهم وبتجربته الشعرية معهم على مستوى المنطقة الجنوبية .

ماذا لو علم الفقيد اليوم بحجم جمهوره الذي نعاه سواء من زملائه في ساحة العرضة أو من محبيه ومتذوقي شعره؟ أعتقد أنه وبحسب اللقاء لا يعلم هذا ولكنه عرف حجم محبته في مرضه من كثرة الزوار أما اليوم فلن يعلم لكن ثبت بما لا يدع للشكان مكان بأنه كان في قلوب الآلاف من أبناء غامد وزهران وبني مالك وعسير فضلا عن أن خاتمته كانت بالصلاة عليه في الحرم وذلك الزحف الذي اتجه للمقبرة ليشيع جنازته وفي مقدمتهم الصديق الدكتور الشاعر عبد الواحد بن سعود الزهراني الذي كان بيني وبينه تواصل بشأن المتوفى ورغم أننا كنا مدعوين من الدكتور هجاد الغامدي في قصره بالبحيرات إلا أن أبا سعود آثر الحضور للصلاة والتشييع والدفن ولا غرابة في الأمر فهو قدم الواجب على المندوب مما جعل الكثير على قنوات التواصل يعبرون عن موقفه تجاه الفقيد بالمدح والثناء .

أنا اعتبر هذا الفقيد ظاهرة غير عادية لأنه من أسرة لا علاقة لها بالشعر وهذا ما قاله بنفسه ولكنه كان حجر زاوية في الحفلات التي يدعى لها ويشارك فيها ونحسبه والله حسيبه أنه ممن سيجد نتائج تلك الحناجر التي دعت له أثناء الصلاة عليه وهم لا يعرفونه شأنه شأن جميع من يصلّى عليهم في بيت الله الحرام وحسبه تلك الجموع التي شيعت جنازته في مكة المكرمة أطهر البقاع وأولئك الذين قدموا واجب العزاء لأسرته وجماعته من الباحة تهامة وسراة ومن مناطق خارج الباحة وحسبه ما يدعى له بظهر الغيب ممن سمع بوفاته والله نسأل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنته ويجعله ووالدينا وأمواتنا وأموات المسلمين في الفردوس الأعلى من الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب .

انعطاف قلم :

كفى بالموت واعظا فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور فأحسنوا النيات وتصافوا قبل أن تصفى الحسابات عند رب الأرض والسموات اليوم دنيا وغدا آخرة فلا عزة بالمال ولا بالأولاد ولا بالصحة ولا بالوظيفة والجاه وإنما العزة لله جلّ في علاه اللهم ارحم من فقدناهم وارزقنا برهم بعد الممات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com