المقالات

سجن الآباء عقوبة للأبناء؟!

رغم تعدد الأسباب التي أدت إلى تزايد ظاهرة الغياب المدرسي واختلاف درجة قوتها وتأثيرها على العملية التعليمية ومخرجاتها بدءًا من البيئة المدرسية  والأنظمة التعليمية الباردة، وانتهاءً بالأسرة التي من وجهة نظري أنها تلعب الدور الأكبر في تفشي هذه الظاهرة وتعد أحد أهم أسبابها الجوهرية، إلا أن ما أصدرته وزارة التعليم مؤخرًا من قرارات للحد من ظاهرة غياب الطلاب والطالبات كانت مخيبة لآمال الميدان التعليمي، وأصبحت مُدعاة للتندر والتفكه في المجالس بين كافة فئات المجتمع وكذلك باتت في مرمى نيران التعليقات والكاريكاتيرات التي تناولت هذه القرارات الغريبة العجيبة منذ صدورها بشيء من السخرية لا سيما ذلك القرار الذي نص على سجن ولي الأمر عشرين يومًا عند تغيب ابنه عن المدرسة بدون عُذر بعد إحالته إلى النيابة العامة والتحقيق معه وإحالته بعد ذلك للمحكمة الجزائية؛ حيث يحق للقاضي أن يصدر حكمًا بتعزيره وسجنه، تلك المدة التي لا أعرف السبب وراء اختيار رقمها العشريني ؟!

وإذا ما حاولنا أن نقنع أنفسنا بصحة هذه الإجراءات التي اتخذتها وزارة التعليم خاصة بعد الأحداث الدرامية التي شهدها العام الدراسي المنصرم ١٤٤٤هـ، والمتمثلة في الغيابات الجماعية للطلاب والطالبات خلال الأيام التي كانت تسبق الإجازات المطولة وكذلك خلال فترة الدراسة في شهر رمضان المبارك فإننا حتمًا سندرك أن هذا القرار قد يراه البعض ردة فعل متشنجة من الوزارة بعد أن دقت تلك الأحداث ناقوس الخطر داخل أروقتها؛ نظرًا لتدني نسبة الحضور إلى المدارس والتي وصلت في بعض الأيام إلى النسبة الصفرية رغم كل التهديدات غير المجدية التي أطلقتها الوزارة في حينها بخصم بعض درجات المواظبة عن كل يوم دراسي يغيبه الطالب بدون عذر متناسين أن الطلاب والطالبات باتوا لا يهتمون لمثل هذه القرارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لأنهم لا يدركون أثر هذا الغياب على تحصيلهم العلمي، ولا يبالون بالآثار السلبية لكثرة غيابهم، بسبب افتقادهم للحماس والتنافس مع أقرانهم، وتمردهم على احترام الأنظمة والقوانين المدرسية بسبب تلك القرارات التي عاملت الطالب على أنه زجاجة سهلة الكسر وتوعدت كل من يحاول كسرها من المعلمين والمعلمات بأنه سيكون خصمها الأول، فكانت النتيجة أن تلك الزجاجة أول ما جرحت كبرياء الوزارة نفسها وجعلتها تفكر في سجن ولي أمر الطالب حتى لا تتكرر تلك الجراح مرة أخرى خلال المواسم الدراسية القادمة.

وعطفًا على ما سبق فإن ظاهرة الغياب عن المدرسة قديمة كقدم التعليم وأصبحت إحدى المشكلات التي تواجه النظام التعليمي في العديد من دول العالم، نظرًا لاختلاف مسبباتها ومظاهرها، وتأثيراتها وقد بات من الضروري الاستمرار في بحثها والتعمق في دراستها وتحليل تداعياتها، من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء انتشارها، واقتراح الحلول المناسبة لها، والعمل على اجتذاب الطلاب للحضور إلى المدرسة، والتقليل من نسب غيابهم، من خلال إيجاد حلول ناجعة ووسائل تعليمية جاذبة والابتعاد عن لغة التهديد لكافة الأطراف المشتركة في العملية التعليمية، والسعي إلى تذليل العقبات التي قد تحول بين الطالب وبين حضوره إلى المدرسة.

وختام القول فإن مشكلة غياب الطلاب والطالبات عن المدارس أصبحت أكبر من كونها سلوكيات طلاب وطالبات غير مرغوب فيها، بل إنها تحولت إلى ثقافة مجتمع تبدأ جذورها من لوائح السلوك والمواظبة الهشة التي رسخت في أذهانهم أن هذه اللوائح مجرد حبر على ورق وأن النجاح بات أمرًا سهلًا خاصة مع سحب العديد من الصلاحيات من إدارات المدارس والمعلمين الذين جفت حلوقهم، وهم يطالبون بتعديل تلك اللوائح العقيمة واستبدالها بأنظمة قوية تردع الطلاب عن ارتكاب مثل هذه السلوكيات الخاطئة، وإيجاد أرض صلبة تنطلق منها تعليمات وتشريعات الوزارة وعلى سبيل المثال لا الحصر ربط غياب الطالب بالحسم الإلكتروني المباشر من درجات أعمال السنة لجميع حصص اليوم الدراسي الذي غاب فيه بدون أي عُذر وإشعار ولي الأمر بذلك مباشرة من خلال الرسائل اليومية بدل تهديده ومعاقبته بالسجن الذي جعله مادة دسمة للنكت والتعليقات الساخرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

وخزة قلم:
يا زمان العجايب … وش بقى ما ظهر
أن سكتنا ندمنا … وان حكينا قهر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com