آراء متعددة

الذكاء الإصطناعي.. البعد الفلسفي (1)

تحكي الأساطير الإغريقية عن (بورميثيوس) الكائن الذي وضع البشرية على بداية درب الحضارة أو التنوير بتعليمهم كيف يصنعون النار، ويحكي علماء التاريخ كيف أن ابتكار العجلة هي أول خطوة خطاها البشر في مجال التنقل من مكان لآخر وزاد من الترابط بين مختلف الشعوب قديماً ، والحال نفسه ينطبق على اختراع المحرك البخاري الذي لقب أبو الثورة الصناعية التي نقلت البشر إلى آفاق جديدة ، وهنا نلحظ أن التقدم البشري مرهون بالتقدم المفاجئ أو القفزة النوعية في المعرفة ، وإن كان الزمن الحديث يشهد بأن أعظم ابتكار معاصر هو الإنترنت وتطبيقاته ؛ فبكل تأكيد سيكون الذكاء الإصطناعي أعظم ابتكار في القرن الواحد والعشرين!

لم ينشأ الذكاء الاصطناعي كوليدة اليوم بل نشأ كمعضلة فلسفية كينونية حيرت الفلاسفة قدميهم وحديثهم؛ ذلك لارتباطها النوعي بالوعي البشري متسائلين عن طبيعة الذكاء والوعي وعن امكانية إعارة الفهم أو الذكاء؟ توجد عدة محاولات لشرح هذه المعضلة كنظرية (العقل و الجسد (أو (معضلة الوعي الكبرى (ونظريات (أحادية الوعي وثنائيته) ، والتي ذكر فيها أفلاطون مقولته الشهيرة: “إن الذكاء أو الوعي البشري لا يشرحه نسبياً تكوين الجسد البشري نسبةً لقدرات العقل الفائقة مقابل الجسد المحدود”.
إذاً فما الذي يجعل الإنسان قادراً على أن يقبع على هرم زعامة الأرض وهو بالكاد أكبر كائن أو الأقوى؟ حتماً الوعي هو السبب! وبدون وعي لا يمكن اكتساب الذكاء.

حديثاً وعلى يد أستاذ علوم الكمبيوتر النظرية في جامعة مانشستر البريطانية (آلان تيورنج)، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه أبو علوم الكومبيوتر النظرية والذكاء الاصطناعي، أضاف الذكاء الإصطناعي بمفهومه المعاصر لقاعدته الفلسفية أسئلة أخرى مثل؛ هل الآلة تتصرف بذكاء أم تحاكيه؟ هل ذكائها مماثل للذكاء الفطري للإنسان ذي العقل والوعي والإحساس؟

الجدير بالذكر أن العديد من العلماء والمفكرين قد حاولوا الإجابة على هذه التساؤلات؛ غير أن آلان تورينج رأى بأنه إن كانت الآلة الذكية “تتصرف” بذكاء كالبشر اذاً هي ذكية نظرياً، وعلى النقيض من ذاك يقول الأستاذ في الذكاء الاصطناعي وفلسفة الوجود بجامعة كاليفورنيا بيركلي (جون سورل) ؛ وهو صاحب نظرية (الذكاء الإصطناعي القوي) و (الغرفة الصينية) التي تشرح قدرة الآلة على الإدراك ، إن الآلة -والكلام لجون سورل- إن أعطيت ما يوفر الذكاء ستكون ذكية بالمفهوم الإنساني للذكاء.

ختاماً سواءً تم الاتفاق على ذكاء الآلة أو عدمه، لا يمكن لأحد انكار أن ذكائها المزعوم سيقود دفة التغيير العلمي للقرن القادم، وأن عدم القدرة على مواكبته أو استخدامه وتعلمه سيكون الفيصل العلمي للمستقبل بين المتنافسين في سلم العلم الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى