المقالات

عزاوي الثلّابة

“العزاوي” هي نوع من الشعر الشعبي في منطقة الباحة منظومة على هيئة أناشيد وقصائد مُطولة موزونة ومقفاة، ينظمها الشاعر لعدة أغراض منها تسجيل بعض الحوادث المهمة التي مرت في حياة الشاعر أو التغني بمفاخر القبيلة والعائلة أو النهي عن بعض الأمور التي يرى الشاعر أنها مُخلة بالآداب، وهناك بعضها تنظم في الابتهالات والتوسل، ويطلق على العزاوي مسميات أخرى منها: القيفان ومفردها قاف والوسائل ومفردها وسيلة، وهناك شعراء مشهورون بنظم هذه العزاوي منهم: معيض القافري وسعيد المقرى وعبدالله الشافق -رحمهم الله- وغيرهم.
أما “الثلابة” فكما رواه لنا من أدركنا من كبار السن -رحمهم الله- من مات وأحسن خاتمتنا، ومن بقي منهم أن لقب (الثلّابة) يُطلق على الشبان الذين سيتم ختانهم وأحدهم (الثلّاب)؛ حيث كان الختان قديمًا لا يتم إلا بعد أن يُقارب الشاب سن البلوغ وبحضور أقاربه؛ وخاصة أخواله فيجمعون الثلّابة من مختلف قرى القبيلة المتقاربة في ميدان واحد وفي احتفال كبير يحضره جميع أهالي القرى، وكان أهل الثلّاب قبل الموعد بمدة مناسبة يرسلونه إلى أحد الشعراء المتمكنين من نظم القيفان والعزاوي؛ ليجهز له قافًا أو “عزاوي” ليقولها أثناء أداء الختان له، وينبغي أن تضم هذه العزاوي على مفاخر العائلة والقبيلة والأخوال مع ذكر الأسماء ضمن الأبيات -إن أمكن-، فيقوم الشاعر بتحفيظه حتى يتمكن من إلقائه أمام الحضور دون تردد أو وجل، وحين يعود الشاب إلى أهله، وقد حفظ ذلك القاف أو العزاوي يختبره والده ليتأكد من إتقان ابنه وقدرته على استحضار العزاوي دون رهبة وتردد أو خطأ، وحين يأتي اليوم الموعود للختان (الطهارة) يجمعون الثلّابة في صف واحد ورجال القبيلة في دائرة المعراض حولهم؛ فيأتي الشخص الذي سيقوم بالختان؛ ليتأكد من استعدادهم، وكان قد جهز أدواته فيقوم بأداء الختان لكل واحد منهم، وحول الثلّاب أخواله وأعمامه يشجعونه ويتأكدون من عدم اهتزازه وخوفه، وفي هذه الأثناء يلقي الشاب العزاوي بصوت مرتفع يسمعه الجميع رافعًا رأسه في شموخ واعتزاز، وكم يكون افتخار أخواله وأعمامه به فيطلقون الرصاص في الهوء، ويحتلجون بالثلاب في الميدان (يأخذونه في رقصة حربية في ميدان العرضة)، وعند الانتهاء من ختان جميع الثلّابة يؤدي أبناء القبيلة المعراض فرحةً بالحدث، وبزيادة عدد أفراد القبيلة المحاربين ثم يتناولون الوجبة التي أعدت لهم من أهالي الثلّابة؛ وبهذا ينتقل الشباب إلى عالم الرجولة والكبار في القبيلة، ويصبح أحد أفرادها المقاتلين للدفاع عن القبيلة عند الحاجة.
قال ابن خُرمان:
رغم أن لدينا في موروثنا العديد من القيفان والعزاوي إلا أنني سأورد مثالًا واحدًا من هذه القيفان التي اختصت بموضوعنا عن الثلّابة، وهو قاف لأحد الأشخاص من بالحكم – بني كنانة بزهران ألقاه في وقت ختانه وهو (علي بن محمد بن غلة -رحمه الله-) عندما حان الوقت لختانه أرسله والده رجل الكرم المشهور (محمد بن حسن بن غلة -رحمه الله-) إلى الشاعر (عبدالله الشافق -رحمه الله-) أحد رجال أولاد سعدي من بني سليم بزهران، وهو من المتمكنين في هذا اللون من النظم، ولديه المعرفة والثقافة والنفس الطويل لنظم القيفان فما كان من الشاعر إلا أن نظم هذا القاف الجميل له، وجلس الغلام في ضيافته عدة أسابيع حتى تمكن من حفظ العزاوي وإلقائها ثم ذهب إلى والده الذي أعجب بالقاف وبتمكن ابنه، ولا يزال الناس خاصة من حضر المناسبة أو رويت له يتناقلونها ويروونها لغيرهم، وهنا أورد للقارئ الكريم “القاف” الذي نُظِم لهذه المناسبة:

يالله يارب(ن) عظيم العظائمي
يأمن على خلقه رقيب(ن) وقائمي
ويساهر الغرات ماهو بنايمي
عينه على أرض الله والسموات

اطلبك تغفر لي ذنوبًا كسبتها
من شهوات في حياتي نحبها
ياليت قلبي عاف عنها وكبها
كنت البري من الذنوب ايهات

بنيت هذا القاف وأدرِّج القدا
ولا أبقيت فيه النقد للي تنقدا
يحلي كما محض البكار يبردا
رعت من رشا الأجوال أبو السلمات

مع سليم الهوج ماصك فالها
ولله أعطى الخير محلا قبالها
تسري على الحالب تهادر جمالها
قدحانها بعد الخطور تبات

وأنا علي وقلبي أقسى من الحجر
ولد غلام ع المصدات ما انقصر
وجاد عليه الله ما يشكي العسر
ما هو كما اللي شح في المال لا كثر
وينتدي لا قلّت الندوات

بلاده لها عن بلاد الناس عينه
حرفات والوالج ولمس الصنيّنه
لا كن راعيها سخيه يمينه
ويعطي ولا ينقص لها دلفات

وترحيبته يشرح لها الخاطر الوني
ولا انتزى ع المال يعدي وينثني
ما شح في التيس الرباعي ولا الثني
ولا الجفير العقّر العزبات

وليت البخيل اللاش ينظر لصحننا
يوم قدمه عشرين بين ضيوفنا
تفدّع سواري البيت وانتدب البنا
وظلى وراه العرضة والزلفات

في المجلس اللي حافه آبي ووسّعه
وله شروع (ن) بالسواري مقطعه
خمس بدايا فيه والزفّر اربعه
فيها نقوش زاهية وثبات

ما عمره على الكيله والفريكه
إلا ع الأودان الطياب المليكه
ميه من الأطراف إلى بطن ليكه
وعشرين فودا آبي بعد ميات

وهو ريس(ن) وأولاد حكما حمايته
ولا فيهم اللي ينتوي قطع ساقته
ولا اهتراهم في قريبه وفايته
تاعوا بها في مغدر الظلمات

وولد ابن غله يجبر القوم لاحضر
ويوفيه في الأشوار جمعان والجعر
إذا بدوا بالشور طاعوهم الجبر
أهل سلال(ن) نقلته تعجب النظر
ما هو ب للتعشير والحلجات

إلا لحدان الطوارف وأمانها
وأن ضمن الشيخان توفي ضمانها
يحمي على غتات قومي سمانها
نهار ظلى الحرب والميلات

وحداننا بين القبائل ممكنه
ما قرروها بالمدارى ومسكنه
إلا ببندق فيه من كل عينه
وبالحكم ترهي له الشدات

والله لقاوسنا عميلاً يقوسنا
ولا تندرق عن جور الأرشاق رؤوسنا
نسخي معابرنا ونسخي فلوسنا
وعلنا نستطلع القالات

ونحن بني يوس أهل قاله وفتل الشور
وحدنا من البضع إلى منزل الصقور
والقاضي من بني يوس والشيخ والقفير
نضحك ونذخر للعميل حنات

وفي شبرقه يوم البيارق منصبه
وروحوا الفتنه عروس مثلبه
هبنا لها بين العميلين ملعبه
رمي(ن) وجار الصفق والزلفات

وظلوا الأتراك من قوب هاربه
وبندقنا فيهم تهادر مضاربه
والباشا من رغدان قادوا بشاربه
عازوه في روحه وهو ما مات

والخاتمة من بعد ما قلت م القدى
ذكر الله ربي وشفيعي محمدا
صلوا على المختار يأكل عابدا
وأحبوا إليه الذكر والصلوات

ختامًا: سأكتفي هنا بما كتبته حتى لا يطول المقال، وسأقوم بشرح القاف في مقال قادم -بإذن الله-.
والله ولي التوفيق…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com