عام

وفاء الوزير (المهلبي)!

ما أجمل الوفاء، وصدق أبو النجع الخوارزمي ، حين قال:
عش ألف عام للوفاء وقلما…ساد امرؤ إلا بحسن وفائه
من أجمل صور الوفاء قصة الوزير (المهلبي)، وصديقه (أبو عبدالله الصوفي)؛ يُقال إن الشاعر “أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلبي”، والذي عاش في القرن الرابع الهجري، كان في غاية من الأدب والمحبة لأهله، اتصل بمعز الدولة “بن بويه” فكان كاتبًا في ديوانه، ثم استوزره، فكانت الخلافة للمطيع العباسي فقربه، ثم لقبه بالوزارة، فاجتمعت له وزارة الخليفة ووزارة السلطان، ولقب بذي الوزارتين.
كان قبل اتصاله بالأمير “معز الدولة بن بويه” وتوليه الوزارة، في شدة عظيمة، فقد أصابته فاقة في شبيبته، ويذكر لنا التاريخ أنه كان فقيرًا معدمًا لا يملك قوت يومه، فقد كان يشتهي أكل اللحم، ولا يقدر على شرائه لشدة فقره، حتى إنه أنشد قصيدة في إحدى سفراته التي كان يرافقه فيها صديق له يدعى (أبو عبدالله الصوفي)، يتمنى فيها الموت من شدة فقره وجوعه، أنشد يقول:

ألا موتٌ يُباعُ فأشتريه … فهذا العيشُ ما لا خَيرَ فيهِ

ألا موتٌ لذيذُ الطعمِ يأتي …يُخَلِّصَنِي من العيشِ الكَريهِ

إذا أبصرتُ قبرًا مِن بعيدٍ … وددتُ لو أنني ممّا يليهِ

ألا رَحِمَ المهيمنُ نَفْسَ حُرٍ … تصدَّقَ بالوفاةِ على أخيهِ!

وعندما سمعه صديقه “الصوفي” الذي كان يرافقه في تلك السفرة، اشترى لهُ لحمًا بدرهم وطبخه وقدمه له. وتفارقا بعدها، ثم تقلبت الأمور، وأصبح الشاعر “المهلبي” وزيرًا لمعز الدولة في بغداد، وأصبح كأنه الحاكم بأمر الله، وأقبلت عليه الدنيا، وأتته أسباب النعمة، في حين غدا صديقه “عبد الله الصوفي” الذي اشترى له اللحم في تلك السفرة فقيرًا معدمًا، وضاقت به الأحوال، فعمد إلى صاحبه “المهلبي” ليساعده، وأراد أن يدخل على صديقه الوزير، وعندما منعه الحاجب من الدخول، توصَّل إلى إيصال رقعة دفعها إليه مكتوب فيها:

ألا قُل للوزِير فَدتهُ نفسي … مقالَ مُذَكِّرٍ ما قد نسيهِ

أتذكُرُ إذ تقولُ لضِيقِ عيشٍ … ألا موْتٌ يُباعُ فأشترِيهِ!

وعندما قرأ الوزير “المهلبي” الرقعة تذكر صديقه “الصوفي”، وهزته أريحة الكرم، وقدم له المال وأكرمه، وأمر له في عاجل الحال بسبعمائة درهم، بعد أن كتب على ظهر الرقعة الآية (261) من سورة البقرة: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ).
فأبدل درهمه الذي اشترى به اللحم له في تلك الرحلة بسبعمائة درهم، ثم قلده عملًا يرتفق به ويرتزق منه.
ما أريد قوله إن البعض من الناس يمرون بحالة “المهلبي”، ولكن القليل منهم يتذكرون إذا تعدل حالهم من كان يألفهم وقدم لهم المساعدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com