المقالات

تمكين مبتكري الجامعات من تأسيس شركاتهم.. خطوة نحو اقتصاد معرفي مستدام في ظل رؤية المملكة 2030

المقدمة
تشهد المملكة العربية السعودية تحولاً كبيراً نحو اقتصاد قائم على المعرفة، حيث تشكل الابتكارات والاختراعات دعامة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التنافسية. وقد حملت رؤية المملكة 2030 الطموح لتحويل الاقتصاد السعودي من اقتصاد يعتمد بشكل رئيسي على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد معرفي مستدام يعتمد على الإبداع والابتكار. وفي هذا الإطار، يلعب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات دوراً محورياً في تطوير الأفكار المبتكرة والأبحاث التطبيقية التي يمكن أن تتحول إلى مشاريع تجارية تدعم التنمية وتوفر فرص العمل.
ومع ذلك، يواجه الكثير من المبتكرين من أعضاء هيئة التدريس قيوداً تنظيمية تحد من قدرتهم على تأسيس شركات خاصة بهم، مما يحد من تحويل أفكارهم المبتكرة إلى مشاريع اقتصادية تساهم في تنمية المجتمع. لذا فإن استثنائهم من بعض القيود وتسهيل حصولهم على سجلات تجارية يمكن أن يمثل خطوة هامة نحو تعزيز مساهمتهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.

الدور الريادي لأعضاء هيئة التدريس في الابتكار والاختراع
تتضمن المهام الأساسية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات تطوير المعرفة من خلال البحث العلمي وتوجيه الطلاب والطالبات إلا أن دورهم الريادي يمتد ليشمل:
1. توليد الأفكار المبتكرة: حيث يعتبر الأكاديميون في الجامعات أكثر الأشخاص إلماماً بأحدث التطورات العلمية والتكنولوجية مما يؤهلهم لتوليد أفكار مبتكرة تحل مشكلات حقيقية في المجتمع.
2. تحويل الأبحاث إلى تطبيقات عملية: غالباً ما تتضمن أبحاث أعضاء هيئة التدريس ابتكارات يمكن تطبيقها عملياً في مجالات مثل الصحة، الهندسة، الزراعة، والطاقة، مما يعزز من فرص تحويلها إلى منتجات وخدمات تدعم الاقتصاد.
3. المساهمة في تطوير الصناعة المحلية: يعمل الأكاديميون كمستشارين للقطاع الصناعي في مجالات مثل التطوير التكنولوجي وتحسين العمليات الإنتاجية مما يسهم في رفع كفاءة الصناعة المحلية ويعزز من قدرتها التنافسية.
4. إعداد جيل من المبتكرين: من خلال توجيه طلابهم نحو الابتكار يسهم أعضاء هيئة التدريس في إعداد أجيال من الشباب المبتكرين القادرين على تطوير أفكار جديدة ومشاريع اقتصادية.

التحديات التي تواجه أعضاء هيئة التدريس في تأسيس شركاتهم الخاصة
على الرغم من الدور الريادي الذي يلعبه الأكاديميون في مجالات الابتكارفهم يواجهون العديد من التحديات التي تعيق تأسيس شركات خاصة بهم ومنها:
1. القيود التنظيمية: تمنع اللوائح الحالية أعضاء هيئة التدريس من تأسيس شركات بأسمائهم أو الحصول على سجلات تجارية.
2. التمويل: يواجه الأكاديميون صعوبات في الوصول إلى التمويل اللازم لتأسيس شركات تعتمد على أفكارهم المبتكرة مما يعيق تحولها إلى مشاريع تجارية ناجحة.
3. الدعم الإداري والتجاري: غالباً ما يفتقر الأكاديميون إلى الخبرة في مجال إدارة الشركات وتطوير خطط العمل التجارية مما يجعل من الصعب عليهم إدارة الشركات بفعالية.
4. الخوف من تضارب المصالح: تعد المخاوف من تضارب المصالح بين أدوارهم الأكاديمية والتجارية من العقبات التي تواجههم حيث قد ينظر إلى ممارسة الأعمال التجارية بشكل مباشر كتعارض مع وظائفهم الأكاديمية.

أهمية إستثناء أعضاء هيئة التدريس المبتكرين من بعض القيود وتسهيل حصولهم على سجلات تجاري
لتحقيق أقصى استفادة من إمكانات المبتكرين والمخترعين من أعضاء هيئة التدريس يعد منحهم استثناءات من بعض القيود أمراً بالغ الأهمية ويمكن تلخيص الفوائد المتوقعة على النحو التالي:
1. دعم الاقتصاد المعرفي: إن تأسيس شركات قائمة على الابتكارات البحثية يسهم في تعزيز الاقتصاد المعرفي ويزيد من مساهمة الأبحاث الجامعية في الناتج المحلي الإجمالي.
2. تحويل الابتكارات إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية: يسهم تسهيل حصول الأكاديميين على سجلات تجارية في تحويل الأفكار البحثية إلى منتجات قابلة للتسويق مما يخلق فرص عمل جديدة ويعزز الاقتصاد المحلي.
3. تسريع تحقيق أهداف رؤية 2030: إن تشجيع أعضاء هيئة التدريس على الابتكار والتجارة يدفع نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030 من خلال دعم التنويع الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.
4. تحفيز ثقافة الابتكار في الجامعات: يمكن أن يكون إستثناء الأكاديميين من بعض القيود بمثابة محفـز لنشر ثقافة ريادة الأعمال في الجامعات مما يشجع الطلاب والطالبات والخريجين على اتباع نفس النهج وتأسيس شركاتهم الخاصة.

مقترحات لتفعيل هذا الاستثناء وتأسيس بيئة داعمة
لضمان تحقيق الاستفادة الكاملة من المبتكرين والمخترعين من أعضاء هيئة التدريس يمكن اقتراح الخطوات التالية:
1. تحديث الأنظمة واللوائح: إصدار تشريعات تدعم منح إستثناءات لأعضاء هيئة التدريس المبتكرين لتأسيس شركات بأسمائهم والحصول على سجلات تجارية مع تحديد ضوابط لضمان التوازن بين أدوارهم الأكاديمية والتجارية.
2. إطلاق حاضنات أعمال: إنشاء حاضنات ومسرعات أعمال خاصة بأعضاء هيئة التدريس داخل الجامعات لتقديم الدعم الإداري والتقني والمالي للمبتكرين من الأكاديميين.
3. تقديم دعم تمويلي: توفير برامج تمويلية ميسرة لدعم مشاريعهم البحثية وتحويلها إلى منتجات وخدمات من خلال شراكات مع القطاع الخاص وصناديق تمويل الابتكار.
4. التدريب وبناء القدرات: تنظيم دورات تدريبية حول إدارة الأعمال والابتكار التجاري لأعضاء هيئة التدريس لمساعدتهم على إدارة شركاتهم بفعالية.
5. وضع سياسات لتجنب تضارب المصالح: تطوير سياسات تضمن عدم تعارض مصالح الأكاديميين بين دورهم في الجامعة ودورهم في شركاتهم الخاصة مع توجيه واضح لدورهم كأعضاء هيئة تدريس.
6. دعم التعاون بين الجامعات والشركات الناشئة: تشجيع التعاون بين أعضاء هيئة التدريس المبتكرين وشركات القطاع الخاص بما يعزز تبادل المعرفة وتطوير المشاريع المشتركة.

يمثل المبتكرون والمخترعون من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات أحد أعمدة التنمية الاقتصادية والمعرفية في المملكة العربية السعودية ويعد استثناؤهم من بعض القيود وتسهيل تأسيس شركاتهم الخاصة خطوة حيوية لتعزيز مساهمتهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. إن تحويل الأفكار البحثية إلى مشاريع تجارية منتجة يسهم في دعم الاقتصاد المعرفي ويوفر فرص عمل جديدة لأبناء وبنات الوطن ويزيد من التنافسية العالمية للمملكة. وبذلك من المتوقع أن تسهم هذه الخطوة في تحويل الجامعات إلى مراكز ريادية تدعم الابتكار والتطوير وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

* عضو هيئة تدريس – بجامعة المؤسس

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى