يُقصد بلفظ “التسوية” في استخداماته المختلفة الوصول إلى حل يتناسب مع طرفي التسوية. وقد صدرت مؤخرًا -بمقتضى الموافقة الملكية الكريمة- قواعد إجراءات التسويات المالية مع من ارتكبوا جرائم فساد من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية.
أتاحت هذه القواعد الفرصة لمن تلوثت يده بجرائم الفساد قبل تاريخ 15/02/1439هـ، لتطهيرها منه، إبراءً للذمة أمام الله أولًا، وإعفاءً من المسؤولية الجنائية أمام القضاء ثانيًا. وتضمنت القواعد أسسًا تنظيمية يُبنى عليها اتفاق التسوية، يبدأ بمبادرة مرتكب جريمة الفساد -والتي لم تُكتشف بعد- بالتقدم إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ليوضح ماهية جريمته المرتكبة وكافة تفاصيلها وأي جرائم ملحقة بها. كما تفرض القواعد عليه رد الأموال المستحصلة من الجريمة خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات، مضافًا إليها ما نسبته (5%) من ذلك المال عن كل سنة تحتسب من تاريخ ارتكاب الجريمة حتى اكتمال سداد كامل المبلغ. ويتم ذلك بموجب اتفاق مكتوب يعتمده رئيس وحدة التحقيق والادعاء الجنائي في الهيئة.
وقد أعفت القواعد المتقدمين خلال عام من تاريخ صدورها من دفع النسبة المقررة آنفًا (5%)، تحفيزًا لهم للإفصاح السريع وتسوية أوضاعهم القانونية.
شملت القواعد أيضًا من يخضعون حاليًا للمحاكمة أو المسجونين بموجب أحكام قضائية صدرت بحقهم، أو من ارتكبوا جرائم فساد بعد تاريخ 15/02/1439هـ وقبل صدور هذه القواعد، بشرط ألا يتم الاتفاق مع أي منهم إلا بعد صدور موافقة الملك -حفظه الله- بناءً على مبررات يقدرها رئيس الهيئة. ولا يُعفى هؤلاء من النسبة المقررة (5%)، وفق ما ورد في القواعد.
لا شك أن صدور هذه القواعد يُعد بادرة طيبة من الدولة -رعاها الله- تدل على حرصها على المال العام، واهتمامها بالردع الإيجابي الذي يتيح فرصة الإصلاح دون اللجوء إلى العقاب إلا عند الضرورة.
وفي المقابل، لا تتيح القواعد للمتلاعبين فرصة لاستكمال تبديد المال العام. فمن لم يلتزم بسداد المبلغ المقرر في اتفاق التسوية خلال المدة المحددة (والتي لا تتجاوز ثلاث سنوات) لن يسترد أي مبالغ دفعها مسبقًا. كما ستقوم الهيئة -ممثلة بوحدة الادعاء الجنائي- بتحريك الدعوى الجزائية العامة ضده عن جريمة الفساد.
وفي كل الأحوال، فإن استحصال الدولة للأموال المرتبطة بجرائم الفساد وإيداعها في خزينتها العامة يسهم في تنمية البلاد العظيمة، وينعكس إيجابيًا على رفعتها وازدهار مشاريعها النوعية، التي تتسم غالبًا بالريادة على مستوى العالم.
تجدر الإشارة إلى أن هذه القواعد تمثل نموذجًا للعدالة الرضائية، وهو نمط يمكن اتباعه لمعالجة بعض القضايا الجنائية، حيث يمكن محو آثارها المترتبة على ارتكابها من خلال تطبيق أشكال من “التسوية” أو “الترضية” مع مرتكبيها.
وفي الختام، من المهم تنزيه النفس عن مواطن الشبهة، وتجنيبها شرور الفساد. فإن لذة الوقوع في الفساد لحظة، وعاقبته سنوات من الحسرة، وفي الآخرة قال النبي ﷺ: “لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ”.