حوارات خاصة

مريم الشملاوي : الألوان لغتي والفن نافذتي إلى العالم

الباحة – الفن ليس مجرد ألوان تُرسم على قماش، بل هو لغة تعبيرية تنبض بالحياة، وجسر يربط المشاعر بالواقع، والحلم بالحقيقة. وبينما يختلف الفنانون في مدارسهم وأساليبهم، تميزت الفنانة التشكيلية مريم الشملاوي بأسلوبها الفريد الذي يعكس روحها وشغفها العميق بالألوان، حيث تجسد أعمالها مشاعر إنسانية صادقة تلامس وجدان المتلقي.

في هذا اللقاء، تأخذنا الفنانة الشملاوي في رحلة عبر لوحاتها وتجربتها الفنية، حيث نتعرف على بداياتها، مصادر إلهامها، التحديات التي واجهتها، ورؤيتها لمستقبل الفن التشكيلي في المملكة والعالم العربي. كما تكشف لنا كيف أصبحت اللوحة بالنسبة لها مساحة للحوار والتأمل، تنقل من خلالها رسائل تتجاوز حدود الكلمات، وتعبر عن قصص وأحاسيس تعيش في أعماقها.

صحيفة مكة التقت بالفنانة المبدعة لتسلط الضوء على مشوارها الفني، وتقدم لجمهور الفن التشكيلي نظرة أعمق إلى عالمها الإبداعي المليء بالشغف والتجدد.

– من هي الفنانة مريم الشملاوي؟
مريم الشملاوي، فنانة تشكيلية سعودية، أتنفس الألوان وأحمل شغفًا لا ينطفئ تجاه الفن. كان الفن ولا يزال بالنسبة لي رحلة اكتشاف ذاتي ومشاعري، حيث وجدت في الرسم نافذتي إلى العالم، ومساحتي الخاصة لخلق الجمال وتفسير المشاعر.

– ماذا يعني لكِ الفن؟
الفن هو الحياة بحد ذاتها، هو الموسيقى التي تراها العين، والقصيدة التي تُكتب بالألوان. وكما قال بابلو بيكاسو: “الفن هو الكذبة التي تجعلنا ندرك الحقيقة.” إنه وسيلة للتواصل مع الروح الإنسانية، وتجسيد الأحاسيس التي تعجز الكلمات عن وصفها.

– متى اكتشفتِ موهبتك الفنية؟
أظن أن الفن لم يكن يومًا خيارًا، بل كان جزءًا من تكويني. منذ الطفولة، كنت أجد نفسي دائمًا ألوّن المساحات البيضاء وكأنني أزرع فيها حكاياتي الصغيرة.
مع الوقت، أدركت أن هذه الموهبة ليست مجرد تسلية طفلة، بل لغة تعبر عني، وتمنحني هويتي كإنسانة تحمل مشاعر وأفكارًا، وتبحث عن وسيلة للتعبير عنها.

– متى كانت بداياتك الفعلية في ممارسة هذه الهواية الفنية؟
.رغم أنني كنت أرسم منذ الطفولة، إلا أن البداية الحقيقية كانت عندما بدأت أشارك في المعارض، وأرى كيف يتفاعل الآخرون مع أعمالي. تلك اللحظة التي يقف فيها شخص غريب أمام لوحتي ويشعر أنها تتحدث إليه، هي ما جعلتني أدرك أن الفن ليس مجرد موهبة، بل رسالة.

– أي نوع من أنواع الفنون التشكيلية يستهويكِ أكثر؟
أجد نفسي في المدرسة التعبيرية، حيث تعبر الألوان والخطوط عن المشاعر بكل قوتها وعمقها. أحب أن أترك العاطفة تقودني، وأمنح الألوان حرية الانسياب دون قيود. وكما قال روبرت شومان: “إرسال النور إلى قلب الإنسان، هذا واجب الفن.”

– من الشخصية الفنية التي تأثرتِ بها وتسعين للوصول إلى مستواها الفني؟
تأثرت بعدة فنانين عالميين، لكن إيغون شيلي وفريدا كاهلو كانا الأقرب لي، حيث استطاعا ترجمة الألم والمشاعر العميقة إلى أعمال فنية خالدة.
لكن في النهاية، لا أسعى للوصول إلى مستوى أحد، بل أطمح إلى صنع بصمتي الخاصة، حيث تصبح أعمالي توقيعًا للحياة التي أعيشها والمشاعر التي أعبر عنها.

– ما هي أبرز مشاركاتك الفنية التي لا يزال لها طابع خاص في نفسك؟
كل مشاركة فنية هي إضافة ثمينة لمسيرتي، أراها خطوة جديدة في رحلة تحقيق حلمي، حيث تمنحني فرصة لتبادل الثقافات والانفتاح على رؤى فنية مختلفة.
كل معرض يضيف لي بُعدًا جديدًا ويثري تجربتي، لكن تظل لمعارضي الشخصية خصوصية لا تضاهيها مشاركة أخرى، فهي المساحة التي أتمكن فيها من تقديم رؤيتي الإبداعية الكاملة، بتفاصيلها التي تعكس ملامح رحلتي الفنية وهويتي.

– لا يخلو أي مشوار فني من المواقف، ما هو الموقف الذي لا يزال عالقًا في ذاكرتك؟
عندما يقف أحدهم أمام إحدى لوحاتي ويجد نفسه فيها، كأنها ترجمان لمشاعره، تلامس إحساسًا عميقًا داخله. هنا، أشعر أنني حدثته من خلال لوني بلغة خفية قرأتها روحه.
هذه اللحظات تجعلني أدرك أن الفن ليس مجرد شكل أو لون، بل رسالة تصل إلى حيث تعجز الكلمات.

– ما هي أبرز العوائق التي تواجه الفنان التشكيلي في مسيرته الفنية؟
الفن يحتاج إلى مزيد من الدعم والاهتمام والوعي بأهميته، فالكثير من الفنانين يواجهون صعوبات في الوصول إلى الجمهور والتفاعل مع المجتمع الفني، إضافة إلى قلة الفرص والمساحات المخصصة للفنون التشكيلية، مما يجعل رحلتهم أكثر تحديًا.

– ما هي أبرز العوائق التي واجهتك في مسيرتك الفنية؟
واجهت تحديات كثيرة، من قلة الدعم إلى صعوبة تحقيق الانتشار، لكنني تعلمت أن الطريق الفني ليس سهلًا، بل يحتاج إلى صبر وإصرار، فالإبداع الحقيقي يولد من التحديات.

– ماذا تستطيعين أن تقدمي لمحبي وعشاق الفن التشكيلي؟
أقدم لهم شعورًا يلامسهم ويترجم إحساسي بلا كلمات، أقدم لهم لوحات ليست مجرد ألوان بل مشاعر وحكايات، وأطمح أن أكون جسرًا يربط الفن بالروح. كما أنني أحرص على مشاركة تجاربي من خلال الورش واللقاءات الفنية، لأن الفن لا يزدهر إلا عندما يُشارك.

– هل ما تقدمينه من أعمال ومشاركات يكون مجانًا أم بمقابل مالي؟
الفن قيمة وليس مجرد سلعة، لذا فإن أعمالي تعرض للبيع، لكنني أؤمن أيضًا بأن بعض الأعمال تُمنح حبًا أو دعمًا لقضية إنسانية، لذلك أحاول تحقيق التوازن بين الأمرين، بحيث أتمكن من إيصال رسالتي الفنية مع الحفاظ على استدامة مشروعي الفني.

– ما هي خططك المستقبلية لتطوير أعمالك الفنية؟
أخطط لإقامة معرض شخصي يتناول مراحل شعورية مختلفة أمر بها، وتعكس تجارب ومشاعر النساء من حولي. أرغب أن يكون هذا المعرض مساحة للحوار البصري، يجسد مشاعر الإنسان في لحظات قوته وضعفه، ويمثل تجربة صادقة تلامس واقعًا مشتركًا بيني وبين المتلقي.

– إلى أي مدى تريدين أن تصل أعمالك الفنية؟
أطمح أن تصل أعمالي إلى كل قلب يتفاعل معها، أن تصبح ترجمانًا لمشاعر الناس، وتلامس نقاء أرواحهم ودفين أفكارهم.

– هل ترين أن الفن التشكيلي بجميع أنواعه أخذ حقه الكامل بين الأنشطة المختلفة؟
لا يزال الفن التشكيلي بحاجة إلى مساحة أكبر، فالناس يتفاعلون مع الفنون الأخرى بشكل أكبر. نحتاج إلى مزيد من الوعي والتقدير لهذا النوع من الفنون، لأنه لغة بصرية تحمل في طياتها تاريخنا وثقافتنا، وقبل كل ذلك تجسد مشاعرنا وأحاسيسنا بطريقة قد تعجز عنها كل الحروف.

– ماذا أعطاكِ الفن؟ وماذا أخذ منكِ؟
أعطاني وسيلة تعبيرية أجدها نعمة من نعم الله، بها أفرغ كل سلبيات المشاعر بداخلي على بياض القماش، وأشحن روحي من جديد لأنطلق نحو أحلامي.
أخذ مني الكثير من العزلة والسهر والتأمل، لكنه منحني القدرة على التعبير بحرية، وهو أمر لا يقدر بثمن.

– أين تقومين بمزاولة رسم لوحاتك الفنية؟
في مرسمي، حيث أجد عالمي الصغير المليء بالألوان، وأحيانًا في الطبيعة إذا كانت ظروف الطقس تسمح بذلك.

– من خلال تواجدك في الفن التشكيلي، ما الذي ينقص الفن بشكل عام؟
ينقصه الوعي بأن المجتمعات ترتقي بفنانيها ومبدعيها، وأن الفن هو نعمة الله للبشرية، فهو يرتقي بالشعور نحو الصفاء، ويهذب المشاعر، ويجعلنا أكثر إنسانية.

– بماذا تريدين أن تختمي هذا اللقاء؟
أشكر صحيفة مكة على هذا الحوار العميق، وأشكر الأستاذ حسن الصغير على هذا اللقاء المميز وإتاحة الفرصة.
وأود أن أقول لكل من يملك شغفًا: “لا تتوقفوا عن الإبداع، فالفن هو الطريقة المثلى لنترك بصمة لا تزول.”

حسن الصغير

مدير التحرير - منطقة الباحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى