تبرز شخصيات مؤثرة وفاعلة في كل بقاع الأرض، وتبقى ملهمة للأجيال، ولم تكن شبه الجزيرة العربية بمعزل عن العالم في ولادة عباقرة وشخصيات عالمية ألهمت البشرية بأسرها.
لقد عُزلت شبه الجزيرة العربية وإنسانها عن العالم بعد نهاية الدولة العباسية، وهذا ما أشرت إليه في مقالي العام الماضي عن مناسبة التأسيس؛ إذ عادت مظاهر الركود العلمي والحضاري، وهو ما وثّقه المؤرخون ورصدته الصور الفوتوغرافية لكثير من الرحالة، في حين كانت البلدان المجاورة تنعم بمظاهر حضارية وثقافية، مثل العراق، وبلاد الشام، ومصر، والعالم الآخر.
كان التعليم محصورًا في حواضر كبرى مثل مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والأحساء، على سبيل المثال، وكان يقتصر على التعليم الديني، واللغة العربية، وبعض أجزاء من علم التاريخ، بينما كانت العلوم الطبيعية، والطب، والتعليم المنظم غائبة إلى حد كبير. ومن الملاحظ أيضًا أن البوادي في شبه الجزيرة، والتي تُعد المكون الأول لغالبية سكانها، لم ينالوا حظًا وافرًا من التعليم، بل كانت القبائل أشبه بإمارات مستقلة.
بعض الإمارات التي نشأت كانت في نطاقات جغرافية شحيحة الموارد الطبيعية وصغيرة المساحة، وبعضها كان داخليًا لا يطل على سواحل بحرية، وهي حقيقة تاريخية وجغرافية لا تغيب عن المهتمين بقراءة تاريخ الوطن.
كانت الانطلاقة الأولى لبناء الوطن وشخصيته في عام 1727م (1139هـ)، حيث كانت هذه البداية مبادرة كبرى ويقظة واعية لانتشال إنسان هذه الأرض من حالة الركود التي تسببت في التخلف العلمي والحضاري والتبعية للآخر دون تأثير. لقد كان المؤسس الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- هو صاحب المبادرة، وتبعه في ذلك أبناؤه وأحفاده.
وربما أرى أنه لا يوجد سقوط للدولة السعودية الأولى والثانية، لأن السقوط يعني النهاية، وإنما أراها صراعات منحته شرعية الاستمرارية. فقد كان الإمام تركي بن عبدالله هو الشخصية التي حافظت على هذه الدولة، كما استطاع الملك عبدالعزيز توحيد البلاد والمحافظة على الدولة السعودية الحديثة.
راهن قادة هذا الوطن على الأخذ بأسباب التقدم، وكان التعليم هو الركيزة الأساسية، في ظل وجود الأمن والاستقرار، فأصبح ابن هذا الوطن شخصية عربية مؤثرة.
واليوم، نرى أن المملكة العربية السعودية، بقيادتها الحكيمة، باتت قبلة لصناعة القرارات العالمية، وملاذًا لحل الأزمات الدولية، حيث تعكس القمم المتتالية التي تستضيفها المملكة دورها الريادي في بناء وطن قوي، وإنسان فاعل ومتفاعل ومؤثر في المشهد العالمي.