المقالات

طابور الفول ..!

✍️ جمعان البشيري 

مع غروب شمس رمضان، و قبل أن يصدح الأذان بإعلان الإفطار، تتحول بعض شوارعنا إلى مشاهد درامية تفوق في حبكتها أعقد المسلسلات الرمضانية، و لعل المشهد الأبرز: هي الطوابير الطويلة للحصول على الفول أو السوبيا، حيث يتجمع الصائمون، ليس في طابور الصلاة أو لإعداد سفرة إفطار صائم ، بل في سباق محموم للحصول على صحن فول، أو عبوة سوبيا قبل أن ينفد المخزون.!

هذه الطوابير تتحدى كل مفاهيم الروحانية التي يفترض أن تزدهر في رمضان في الوقت الذي ينبغي أن يتحلى فيه الصائم بالصبر والسكينة، تجده هنا يخوض “حرب المواقع”، مسنودًا بكوعه، دافعًا بمنكبه، محاولًا تطبيق نظرية “الأقوى يأكل أولًا”.!

أما الأخلاق الرمضانية فتصبح على الهامش، حيث تنطلق عبارات التذمر، ويتبادل الواقفون نظرات التهديد، وكأن الموقف لا يحتمل أي تأخير إضافي.!

ولا يقتصر الأمر على التوتر، بل يتطور أحيانًا إلى مشاجرات درامية تبدأ بسبب شخص تسلل للطابور من المنتصف، أو بائع قرر أن ينحاز لزبون دائم.

وهنا، تتحول الدقائق التي كان يجب أن تُقضى في الدعاء والسكينة والاستغفار إلى وقت مستقطع لمشادات كلامية، وربما مناوشات جسدية، تليها تهديدات بأن “اللقاء لن يكون الأخير”!

مشهد يثبت أن الإنسان يستطيع التحمل لساعات، لكنه ينهار أمام 5 دقائق تأخير في “طابور الفول!”

وفي هذا الزحام، تسمع من ينادي على البائع بصوت عالي وكأنه في مظاهرة:”كفاية واحد..مشي السرا .. أنا قبلك يا طيب ..!”، بينما آخر يساوم على كمية الزيت  وكأنها صفقة العمر.!

إذا كنت تعتقد أن اختبار الصبر هو الصيام، فجرّب الوقوف أمام جرة الفول في طابور طويل قبل الفطور،

ستجد نفسك تدندن! لسيدة الغناء كوكب الشرق أم كلثوم :

“إنما للصبر حدود ..

للصبر حدود ياحبيبي..

ما تصبرنيش بوعود

وكلام معسول وعهود

ما تصبرنيش بوعود

( أنا عوزه فول)

فكلما اقترب الأذان، تتلاشى الروحانيات تدريجياً من الطابور، حيث تختبر قدرتك على ضبط النفس أمام محترفي ‘التزويغ’.”؛  ويبدأ الناس في النظر لبعضهم وكأنهم شخصيات في فيلم “أكشن” على وشك المعركة النهائية.!

أما اللحظة الحاسمة؛ فهي:“لحظة إعلان ‘خلص الفول من الجرة ’ وهي تعادل خبر ‘انقطاع الإنترنت’ في منتصف مباراة نهائية… مشاعر مختلطة بين الغضب والصدمة والاستسلام.!

ثم تأتي اللحظة الحاسمة: الإفطار..!حيث بعضهم يصل إلى منزله متأخرًا، مرهقًا ومنتصرًا بوجبة الفول، لكنه خسر أعصابه وهدوءه، وربما خسر “حسنات”، واكتسب “السيئات”  في نقاش حاد مع رجل سبقه إلى الشراء، وربما يدخل في نوبة من الصراع مع أفراد أسرته تكون نتائجه وخيمة..!

وفي النهاية، يبقى “طابور الفول ”

من أبرز مظاهر الحياة الإجتماعية  في رمضان مشهد يختصر حياتنا اليومية بكل عشوائيتها وعبثيتها، لكنه أيضًا يحمل روح الشهر الكريم، حيث يجمع الغني والفقير، السريع والبطيء، الهادئ والغاضب، في حفلة جماعية عنوانها: “طبق فول.. بأي ثمن!”.

فإذا كان صحن الفول ضرورة رمضانية، فلماذا لا نخطط مسبقًا؟!

أو ربما نمارس فضيلة الاكتفاء بالبدائل إن لزم الأمر؟

فالأهم من الامتلاء بالطعام هو أن تمتلئ القلوب بالسكينة، لا بالغضب والتوتر قبل الأذان!

جمعان البشيري

محرر صحفي - جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى