المقالات

غاب العَلم المسند الشيخ عبدالعزيز

في يوم الجمعة الماضي سرت فاجعة الموت بنبأ رحيل علم من أعلام الحديث ورجالات الإسناد بعد عمر امتد به، ومن حين ساعة نزع الروح تناقل الناس خبر الفراق الحق ودوى النعي شاشات الأجهزة مكتوباً، وهواتف الاتصال مسموعاً، وطويت صفحة من صفحات الإسناد، وما أعسر نطق قولة (مات) الشيخ.
إنها الكلمة التي لا مفر منها لكل حي ويحال عقلها، بل وإدراك حقيقة حالها ولزوم استحضار شأنها حتى عند كثير من ذوي الحجى، للبلاء المستطير الذيوع في النفوس من حب الدنيا وغفلة النفس وطول الأمل.
مع مغيب شمس الجمعة الخاتمة لشهر شوال في يومه السابع والعشرين من سنة ألف وأربعمائة وست وأربعين، غابت روح الشيخ العَلم وكأن غياب شمس النهار موحٍ بغياب شمس علمٍ في فنه ولا تدري أي الغيابين سبق.
رحل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله عن عمر قارب قرنًا أو يزيد، وقد تنقلت به الرحلة من سراة زهران إلى قبلة الدين (مكة) الطاهرة، وفيها تقلد أعمالاً مكنت يده من ولاية الأراضي بحوض مكة والمشاعر، فما علق بيده أرض حرام ولا برقبته خيانة مال، كذا نحسبه، وعلت سمعة النقاء سيرته العملية وزكت نفسه بعلم تلقاه على كِبَر، فكانت له روايته بالإسناد عن الأكابر، تميز الشيخ بقوة في الحق وصلابة في القول واعتزاز بالرأي وقلب مملوء بالعاطفة وحب الخير.
عمّر الشيخ جل حياته في بلدته بني عمار فكان علمها البارز ونورها الساطع وجبلها النائف، كان بيته مورداً لطلاب علم الحديث وأرباب الإسناد مع كرم النفس وسخاء اليد، وقد امتد نفع الشيخ في مجالات الدعوة والإصلاح وله قبول وهيبة عند الناس لجلالة قدره وسمو نفسه.
خط الشيخ بقلمه موسوعة حديثية بلغت 7500 صفحة في خمسة عشر مجلداً سماها (معجم رواة الحديث الأماجد من علماء زهران وغامد)، كانت بحق مفخرة حديثية متخصصة عرف أرباب الحديث قدرها وحمل الطلاب على اقتداء مصنفها، كفاه فخراً بها وتخليداً لذكراه في مصنفات علماء الإسلام.
ولما كان فراق الدنيا أمراً لا مرد له، تجلت حكمة الله أن تعود الأيام بالشيخ للمقام بحرم الله مكة التي أفاضت عليه بعلم أعلامها، وفيها تفيض روحه الطاهرة إلى بارئها، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا أبا عبدالله لمحزنون.
رحم الله الشيخ عبدالعزيز رحمة الأبرار وأسكنه الجنان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
• بلد الله الحرام.

د. علي يوسف الزهراني

جامعة أم القرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى