في عالم يزداد صخبه وتتسارع فيه الوتيرة حتى يكاد صوت الروح يخفت وسط زحام الحياة .. تأتي هذه الآية القرآنية من سورة ق كنبض سماوي يعيد ترتيب الفوضى داخلنا:
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}
ليست كل القلوب تنبض بالحياة وإن خفقت في الجسد فثمة قلوب ميتة بالهوى غافلة بالضجيج مشغولة بزخارف الباطل. إنما الذكرى تورق في قلب حي قلب يعرف كيف ينصت لا بأذنه فقط، بل بوجدانه .. بقلبه .. بكليّته حاضراً يقظاً غير ساه ولا معرض.
“لمن كان له قلب …”
أي لمن كان له قلب يدرك يعي يتأمل قلب لا تصدأ عليه الحقائق ولا تغشاه الغفلة. القلب في هذه الآية ليس مجرد مضخة بيولوجية بل مركز الإدراك والبصيرة والاتصال بالله.
“أو ألقى السمع …”
فإن لم يكن القلب حاضراً فثمة طريق آخر للذكرى: الاستماع.
ولكن ليس أي استماع بل استماع مقصود منصت موقن أن ما يقال ليس كأي قول بل كلام رب العالمين.
“وهو شهيد …”
أن يكون حاضر القلب والجسد شهيداً على ما يسمع كأنه يشهد الحقيقة ماثلة أمام عينيه، لا يمر بها مرور الكرام بل يتفاعل معها شعوراً وإدراكاً واستجابة.
إنها معادلة إيمانية خالدة: لا تنفع الموعظة لمن كان غائب القلب ولا تؤثر الكلمة لمن لم يلقِ السمع بقلب شاهد.
ومضات من نور الآية في حياتنا:
• حين نقرأ القرآن أو نسمع خطبة أو موعظة .. فلنسأل أنفسنا: هل نحن ممن له قلب؟ هل نحن ممن يلقي السمع وهو شهيد؟
• كم من مرة مرت علينا آيات الذكر فلم تحرك فينا ساكناً؟ وكم من مرة استمعنا ونحن غائبون؟
• إن هذه الآية ليست دعوة للتأمل فحسب بل اختبار يومي: هل لا زال فينا ذلك القلب الحيّ؟ وهل لا زالت أرواحنا قادرة على الشهادة للحق حين تسمعه؟
ختاماً …
ليست الذكرى لكل أحد لكنها تهبط رحيمة على من تهيأ لاستقبالها على من وسع قلبه بالإيمان وفرغ سمعه من ضجيج الدنيا فصار شهيداً لما يلقى عليه من نور.
فيا رب اجعلنا ممن له قلب وممن يلقي السمع وممن يشهد الحق إذا تجلى.
*عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس


