في عالم تمزقه الأزمات وتتسارع فيه وتيرة النزاعات، في ظل خطاب تصعيدي ومحرض، وتصعيد عسكري بين الهند وباكستان الأعنف منذ عقود عقب اتهامات متبادلة بشأن هجمات في كشمير، حيث سمع دوي انفجارات قوية في سريناغار كبرى مدن كشمير الهندية، ما جعل الهند تنفذ ضربات جوية على مواقع داخل باكستان على خلفية هجوم دموي استهدف سياحا في الشطر الذي تديره الهند من إقليم كشمير، جعل باكستان تشن هجوما مضادا بصواريخ فائقة السرعة على قواعد جوية ألحقت أضرارا محدودة، وهي الأسوأ منذ عقود أودت بحياة 60 مدنيا.
ارتفع معها منسوب القلق الدولي، يبرز الدور السعودي كقنديل مضيئ في عتمة التصعيد بين القوتين النوويتين في جنوب آسيا الهند وباكستان، ورفضت أن تكتفي بمراقبة المشهد، يأتي دور السعودية كوسيط إقليمي، بل ودولي، لما تتمتع من تغليب الحكمة وضبط النفس وتغليب لغة الحوار، خصوصا بعدما اختيرت السعودية كوسيط بين أكبر قوتين في العالم الولايات المتحدة وروسيا من أجل نزع فتيل حرب عالمية ثالثة.
قامت السعودية بدور الوسيط الذي يجمع بين الحياد والمبادرة مستثمرة علاقتها بالبلدين ومكانتها العربية والإسلامية والدولية خصوصا وأنها طرفا مقبولا لدى الجانبين، عززت تحركها الدبلوماسي النشط بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية مثل تركيا والولايات المتحدة، والقيام بدور استباقي من أجل السلام.
لم تكتف السعودية بإعلان الحياد والقلق من احتمال قيام حرب نووية بين البلدين الهند وباكستان، أو إصدار بيانات القلق والتنديد، بل تقوم على الفعل الدبلوماسي الحقيقي والمبادرات المدروسة، جعلها تنخرط عمليا في جهود دبلوماسية محمومة بدأتها باتصال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بنظيريه الهندي والباكستاني، ولم تكتف باتصال وزير الخارجية السعودي، بل دفعت وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير وزير الخارجية السعودي السابق بزيارة مزدوجة يومي 8و9 مايو حاملا معه رسالة سعودية واضحة تسعى لوقف التصعيد وترسيخ نهج دبلوماسي طويل الأمد يعزز الاستقرار.
أثمرت هذه الجهود عن هدنة لوقف إطلاق النار بين الجانبين وسط إشادة دولية بجهودها ودورها المتوازن بين الجانبين، ما يجعل الأطراف أكثر انفتاحا على مقترحات السعودية، خصوصا وأن الأنظار تتجه إلى منطقة جنوب آسيا كواحدة من أخطر مناطق التوتر في العالم خاصة ان البلدين خاضا عدة حروب من أجل السيطرة على كشمير ذي الغالبية المسلمة الذي يطالب به البلدان بالكامل، وتدير كل من الدولتين جزءا منفصلا من الإقليم منذ أن استقلتا عن الحكم البريطاني عام 1947، وفي عام 1949 اتفق البلدان على سحب جميع قواتهما خلف خط وقف إطلاق نار متفق عليه، الذي عرف لاحقا باسم خط السيطرة.
أصدرت السعودية في 10 مايو 2025 بيانا ترحيبيا باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، معربة عن أملها في أن يكون هذا الاتفاق نقطة انطلاق نحو السلام والأمن في منطقة عانت من الصراع والتصعيد المتواصل.
أعلن وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار أن الاتفاق جاء ثمرة لمجهود مشترك ضم الرياض وأنقرة، بينما نوه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عبر منصة تروت سوشيال بدور بلاده في تسهيل التهدئة.
كما اختارت الولايات المتحدة السعودية وسيطا بينها وبين روسيا كذلك اختارت الهند السعودية وسيطا بينها وبين باكستان باعتبار أن السعودية تمتلك رصيدا دبلوماسيا راكمته عبر السنوات الماضية من التوسط في النزاعات من اليمن إلى السودان ومن لبنان إلى العراق وسوريا بعدما كانت ترفض الهند أي وسيط بينها وبين باكستان في السابق، جعلها شريكا في صناعة السلام الإقليمي والدولي.
أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com