أدرك الرئيس الأمريكي روزفلت الأهمية الاستراتيجية للسعودية بالنسبة لأمريكا بعد لقائه بالملك عبد العزيز على متن السفينة كوينسي عام 1945، الذي أسس لعلاقة تحالف استراتيجي، وأسفر عن توفير الحماية العسكرية للسعودية مقابل ضمان السعودية لإمدادات النفط اللازمة للولايات المتحدة، عزز هذا الاتفاق من مكانة السعودية الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وجعلها لاعبا رئيسيا في معادلات الطاقة العالمية، ومنذ ذلك الحين والسعودية تحمل هم الأمة العربية وعلى الأخص القضية الفلسطينية ما جعل روزفلت يتعهد للملك عبد العزيز بعدم اتخاذ أي قرار بشان فلسطين إلا بالتشاور الكامل مع السعودية، لكن ترومان لم يلتزم بما تعهد به روزفلت للسعودية.
تعززت العلاقات السعودية الأميركية من بوابة النفط، وحققت أبرز الشراكات في الشرق الأوسط، منذ ان أبرمت السعودية في 29 مايو عام 1933 اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط مع شركة ستاندرد أوف كاليفورنيا ( سوكال)، 60 سنة، ثم تم بناء شراكة سياسية على الصعيد الدولي قائمة على الموثوقية.
ومنذ عام 1973 اشترت السعودية 25% من حصة أرامكو، تبعتها بشراء حصة أخرى في العالم الذي يليه، حتى امتلكت أرامكو بالكامل في 1980، وعلى مدى تسعين عاما ترسخت العلاقات السعودية الأمريكية على أساس المصالح.
ذكرت واشنطن تايمز بان الأمير محمد بن سلمان الزعيم الذي طال انتظاره في المنطقة، قاد تحولا تاريخيا غير مسبوق، جمع بين الجرأة والحكمة، فحرر طاقات المجتمع السعودي، وأعاد تعريف مفهوم التنمية والنهضة، حتى أصبحت السعودية نموذجا للإبداع والانفتاح، تعكس روح القيادة المتطلعة للمستقبل، حتى تحولت السعودية إلى وجهة عالمية للفرص والسياحة والابتكار.
أثبتت السعودية تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان قدرة في مواجهة التحديات الإقليمية، والحد من نفوذ إيران، وتعزيز الاستقرار من اليمن إلى أوكرانيا والسودان بما يعكس دورها كقوة توازن وسلام، لذلك تراه الولايات المتحدة حليف لا غنى عنه، وشريك استراتيجي رئيسي في الدفاع والطاقة والاستثمار، وسيكون للسعودية دور حاسم في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط.
لذلك ستكون العلاقة بين اميركا والسعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان محور السياسة الأمريكية في المنطقة، باعتباره الزعيم القادر على إعادة صياغة ملامح العالم العربي، وقيادة السعودية نحو المستقبل، حتى أصبحت السعودية مركز ثقل اقتصادي عالمي، وقوة مؤثرة في توازنات القوى العالمية، أي أن العالم يشهد ولادة عالم عربي جديد بقيادة سعودية، وهو أول انقلاب جيوسياسي منذ قرون.
تأتي زيارة سمو ولي العهد في وقت يتطلب تعزيز منظومة الأمن الإقليمي تنسيقا أوثق بين الرياض وواشنطن، باعتبار أن السعودية تلعب دورا محوريا في استقرار الشرق الأوسط، بينما تبقى الولايات المتحدة شريكا أساسيا في صياغة التوازنات الدولية، أي ان علاقة البلدين كما يصفها سفير واشنطن السابق في الرياض مايكل راتتني من ان الزيارة ستكون متنوعة بقدر ما أصبح الاقتصاد السعودي أكثر تنوعا.
يعتبر مسؤولون أميركيون زيارة ولي العهد تأكيدا على أهمية الشراكة الاستراتيجية وعلق السيناتور ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بان السعودية لاعب رئيسي في مستقبل الأمن والاقتصاد العالميين، خصوصا مع تغير الشرق الأوسط بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، ورسم المنطقة مسارا جديدا، ستكون السعودية قائدا مهما في العديد من الملفات، وعلق قائد القيادة الأميركية المركزية السابق الجنرال جوزيف فوتيل أن الزيارة مؤشر على ان الولايات المتحدة لا تزال تمتلك مصالح حيوية تتعلق بالأمن القومي في الشرق الأوسط، باعتبار السعودية شريك إقليمي أساسي لتعزيز الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط في منطقة شديدة الأهمية من العالم.
لم يعد اختزال العلاقات السعودية الأميركية في صيغة بسيطة قائمة على النفط مقابل الدفاع، بل أصبحت الشراكة تعكس حقائق اقتصادية جديدة، ومجالات تعاون آخذة في التوسع، خصوصا في ثلاث مجالات على رأسها معاهدة دفاع تعرض على مجلس الشيوخ، وفي مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي باعتبار ان السعودية لديها طموحات هائلة في الذكاء الاصطناعي، وتريد وصولا مستقرا وموثوقا للتكنولوجية الأميركية، خصوصا فيما يتعلق بالشرائح المتقدمة، إلى جانب الطاقة حيث أن السعودية مستثمر رئيسي في الطاقة المتجددة، وترى السعودية الطاقة النووية جزءا من مستقبلها، وسيتم التركيز في منتدى الاستثمار الأميركي السعودي على قطاع المعادن الحيوية كركيزة أساسية للتعاون الاقتصادي، والعمل المشترك بمجالات الاستكشاف والمعالجة وتبادل التكنولوجي.
الحرب التجارية بين أمريكا والصين أعطى الاهتمام للسعودية، لذلك في حضور ترمب وكل وكالات الأنباء العالمية، وبعد ان استقبل الرئيس ترمب الأمير محمد بن سلمان استقبال اسطوري، أكد الأمير محمد بن سلمان بقوله نحن لا نقوم بالاستثمار لأجل إرضاء أمريكا او ترمب، قال نحن نرى فرص حقيقية تعود علينا جميعا بالفوائد.
الأمن والاستقرار شرطان للازدهار وتحقيق حلم أوروبا الجديدة، فالعلاقات تعتمد بين الدول على المصالح الاستراتيجية، لكن العلاقات الشخصية تلعب دورا كبيرا في تعزيز تلك العلاقات، وأكد الأمير محمد بن سلمان أثناء زيارته لواشنطن قائلا نريد خطا واضحا لحل القضية الفلسطينية، وان السعودية تريد ان تضمن مسارا حقيقيا للتوصل إلى حل الدولتين، فيما ترمب صرح باننا نعمل على إرضاء الجميع لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، في المقابل ترى إسرائيل أن حصول السعودية على الجيل الخامس وطائرات اف 35 يخل بالتوازن في الشرق الأوسط، فالمنطقة تحصد ما زرعته القيادة السعودية في هذه الزيارة التاريخية خصوصا وأنها وجدت ترمب رئيس تاريخي لا يخضع للوبيات بل يؤمن بأمريكا أولا.
لذلك أكد الرئيس ترمب خلال حفل استثنائي في البيت الأبيض في 18/11/2025 الحرص على تعزيز شراكة بلا حدود بين البلدين للتكامل الاقتصادي وشراكات في كافة المجالات، في المقابل أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن العلاقة بين الجانبين لا يمكن استبدالها، وهي جهود حاسمة لجهودنا السياسية والاقتصادية ولأمننا مذكرا بتسعة عقود على تأسيسها، خصوصا وأن السعودية نجحت نحو رفع نسبة التوطين الإنفاق العسكري إلى 24.89% بنهاية 2024 معززة بذلك التقدم المتواصل في مسيرة التوطين بهذا القطاع إلى ما يزيد على 50% بحلول 2030، وهو ما أكده راي بيسيلي نائب الرئيس للأعمال الدولية في شركة لوكهيد مارتن العالمية للصناعات الدفاعية على ان السعودية شريك عالمي رئيسي وهي اهم أسواق الشركة استراتيجية على مستوى العالم الممتدة لأكثر من 60 عاما انتقلت من مجرد تزويد بالمنظومات إلى بناء منظومة دفاعية وصناعية متكاملة تتماشى مع مستهدفات رؤية 2030.
ووضعت السعودية ثقة كبيرة في الشركة من خلال استثمارات واسعة في منصاتها وأنظمتها الدفاعية، فتعمل الشركة مع السعودية على بناء هندسة دفاعية متعددة الطبقات، والمساهمة في مستقبل قدراتها الدفاعية، والشراكة لا تقف عند حدود التسليح، بل تمتد إلى الصناعة ونقل المعرفة، بل اتجهت الشراكة إلى تطوير تقنيات جديدة، بجانب اتجاه الشركة إلى التعاون مع الجامعات السعودية على تنمية رأس المال البشري، خاصة في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، حتى أصبح كثير من الشباب الذين تم تدريبهم جزءا من القوى العاملة في التوطين، إذ تعد الشركة المصنعة للمقاتلة الشبحية المتقدمة إف-35 التي شكلت محورا رئيسيا في النقاشات الدفاعية، وهي خطوة عكست مستوى الثقة الاستراتيجية بين البلدين، وحجم الدور الذي يمكن أن تضطلع به الصناعات الدفاعية الأميركية في دعم قدرات السعودية الدفاعية المستقبلية.
بعدما تود السعودية الانتقال من توطين بنسبة 2% إلى استهداف 50-60% وهي قفزة ضخمة وتنمو قدرة الشركة على العمل داخل منظومة سلاسل الإمداد السعودية، وبشكل خاص دفع التقنيات المتقدمة في مجالات الأمن السيبراني والمرونة والتقنيات الناشئة، بما يواكب تطور التهديدات الحديثة، ما يخلق قدرة مستدامة تتجاوز أي مشروع منفرد.
نجحت الشركة في توطين تصنيع مكونات منظومة الدفاع الصاروخي ثاد إلى جانب شراكات مع شركات سعودية مثل ميبك وإيه آي سي ستيل لدفع إنتاج الحساسات العالية التقنية باستخدام التصنيع بالإضافة إلى الطباعة الثلاثية الأبعاد، واختارت الشركة الشراكة مع السعودية طريق للتنمية تضمن البقاء في موقع متقدم أمام التهديدات المتغيرة، وتعتبر الشركة السعودية شريكا طويل الأمد في بناء مستقبل الدفاع والصناعات المتقدمة.
• أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة ام القرى سابقا






