المقالات

السعودية اليوم: حيث تُصنع القوة ويُعاد تعريف السلام

حين يختار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون السعودية أولى وجهاته الرسمية بعد توليه الرئاسة، فإنّ الخبر لا يُقرأ في عناوين الصحف، بل في خرائط المصالح وموازين القوى. ليست زيارة مجاملة، بل إشعار رسمي بمَن يملك الكلمة، ومَن تُفتح له الأبواب حين تشتد الحاجة وتتقاطع المصالح.

نفس المشهد تكرر في ولايته الأولى، ويعود اليوم في ولايته الثانية، لا لأن شيئًا تغيّر هناك، بل لأن كل شيء تغيّر هنا. فالسعودية التي كانت تُستدعى، أصبحت هي من يُزار. لم تعد تنتظر موقعها، بل صنعت لنفسها موقعًا لا ينازعها عليه أحد. موقع لا يقوم على التبعية، بل على التأثير.

لا بارك الله في الضعف،
ولا في الحياد الباهت،
ولا في من يقف على هامش اللحظة وهو يراقب التاريخ يُصاغ… ولا يصنع.

اليوم، لا تنتظر المملكة من يُعرّف بها، لأنها باتت تُعرّف نفسها بما تفعل لا بما يُقال عنها. تقف شامخة في وجه المتغيرات، لا بخطاب مرتجل، بل بعمل منظم، واستثمار ذكي، وحضور يُصاغ بالعقل لا بالضجيج. نحن لا نُباهي العالم بما نملك… بل نحركه بما نبنيه.

في السياسة، نفاوض لا من موقع الحاجة، بل من موقع التكافؤ.
في الاقتصاد، نحرك التريليونات ونرسم معادلات تُقرأ وتُعاد قراءتها.
وفي التقنية، لم نعد مستخدمين، بل أصبحنا شركاء في تصميم الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي والطاقة والدفاع.

السعودية الجديدة ليست من تُستدعى للمشهد… بل من يصنعه.
تتحدث بلغة لا تنكسر، وتُراكم حضورها لا بالصوت العالي، بل بالثقة العميقة.
لا تلهث خلف الفرص… بل تبنيها.
لا تبحث عن رضا الآخرين… بل عن موقع مستحقّ بينهم.
ولا تنتظر التغيير… بل تكتبه سطرًا بسطر، ومشروعًا بمشروع، وتحالفًا بتحالف.

ومن قلب هذا الحضور، تتّضح الفروق بين مَن يدير مصالحه بلغة القوة، ومَن يصون مصالحه بلغة الحكمة.

في عزّ الحرب الروسية–الأوكرانية، حين اختنقت أوروبا بردًا واضطرابًا، وعدتها الولايات المتحدة بالدفء، لكن بثمن مضاعف. لم تكن وعود واشنطن هدايا، بل صفقات مشروطة، حتى وُصفت بأنها “أزمة غاز واستغلال”.

بينما أمريكا رأت في الأزمة فرصة للربح…
رأت فيها السعودية مسؤولية أخلاقية.

لم نُراهن على جوع الشعوب… بل هدّأنا السوق.
لم نستثمر في ألم القارّة… بل وفّرنا لها التوازن.
ثبتنا في “أوبك بلس” لا لنضغط، بل لنُعيد الانضباط.

السعودية لا تعبث باحتياجات الآخرين، ولا تُراكم الأرباح على حساب كرامة الدول.
نحن لا نساوم بالوقود… لأننا نعرف أن الإنسان أغلى من الطاقة.
ولا نبيع التأثير في لحظة ضَعف… بل نمنحه من موقع قوّة.
مبادئنا لا تنكسر… لأننا لا نقيس النفوذ بحجم العائد، بل بحجم الأثر.

وهنا تتجلّى المعادلة الحقيقية:
بين من يربح من وجع الشعوب، ومن يُداويه.
بين من يُهدّد ليأخذ، ومن يُطمئن ليُعطي.
بين من يُشعل الأزمات، ومن يُطفئها.

ولأنها كذلك، لم تكن المملكة مجرد قوة اقتصادية أو سياسية، بل أصبحت ضميرًا دوليًا يُعاد التوازن به، لا عليه.

ففي العراق، كنا صمام التهدئة،
وفي اليمن، صبرنا وبادرنا ودفعنا من دمنا ووقتنا ليبقى اليمن سعيدًا باسمه لا حزينًا بواقعه،
بين الهند وباكستان، جمعنا بين السيفين،
وفي السودان، لم نبحث عن نصر طرف، بل عن نهوض وطن،
وفي الحرب الروسية الأوكرانية، لم نكتفِ بالبيانات… بل جمعنا المتخاصمين لأننا نؤمن أن السلام لا يُصنع في المؤتمرات، بل في الإرادة الصادقة والرؤية الثابتة.

السعودية لا تُجمّل صورتها بمبادرات السلام… بل ترسم بها طريقًا.
نحن لا نُحدّث العالم عن العدالة… بل نمارسها.
ندعو للحوار بين الأديان، لا لترف ثقافي، بل لتأسيس واقع متسامح.
نواجه التطرّف، لا بالشعارات، بل بالمناهج، والمؤسسات، والعمل.

نحن لا نبني ناطحات السحاب فقط… بل نغرس جذور النخل.
نحوّل المدن إلى مراكز ذكاء، دون أن نُطفئ صوت الأذان.
نواكب العالم بأدواته، ونُبقي هويتنا شاهدة على ما لا يُباع ولا يُشترى.

فاسأل نفسك في هذا المشهد العظيم:
هل ستكون ممن يراقب من بعيد… أم من يشارك من الداخل؟
هل تنتمي لجيل الانتظار… أم لجيل الإنشاء؟
هل تكتفي بالتصفيق للحدث… أم تكون أنت صانعه؟

الضعف لم يعد خيارًا.
الزمن لا ينتظر المترددين.
والفرص لا تحب من يراهن على الصدفة.

نحن أبناء وطن اختار أن يصنع قدره… لا أن يُساق إليه.
فإن لم نكن أقوياء، مبدعين، مبادرين… فلن نكون موجودين.

فحين يأتي العالم إلى السعودية، لا يأتي مجاملة، بل إقرارًا.
إقرار بأن الكلمة الآن تُصاغ من الرياض، لا تُترجَم فيها.
إقرار بأن زمن الأتباع قد انتهى، وأن زمن التأثير بدأ من هنا… من الأرض التي لا تُساوم على ثوابتها، ولا تتأخر عن مستقبلها.

فليعلم القاصي والداني:
*السعودية اليوم… حيث تُصنع القوة، ويُعاد تعريف السلام، وتُلغى الأعذار.*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى