المقالات

الحج والعمرة… رافد تنموي يصنع التحوّل الاقتصادي

شهد قطاع الحج والعمرة في المملكة تحولات نوعية خلال السنوات القليلة الماضية، ضمن خارطة مشاريع رؤية السعودية 2030 التي أعادت تشكيل منظومة الخدمات الوطنية، من كونها موسمية محدودة، إلى أن أصبحت اليوم صناعة متكاملة، تدار بعقلية استثمارية، ويدفعها وعي استراتيجي يهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وبناء اقتصاد مرن ومستدام.

لقد أصبح من الواضح أن تجربة ضيوف الرحمن لم تعد تقف عند حد أداء الشعائر، بل أصبحت رحلة متكاملة، تدار بأعلى معايير الخدمة والجودة، وتُصمَّم بما يليق بمكانة المملكة وحرصها على خدمة الإسلام والمسلمين. وقد تحقق هذا من خلال استثمارات متزايدة في البنية التحتية، واعتماد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إدارة الحشود، وتطوير قدرات الموارد البشرية الوطنية التي تقود التحوّل من الداخل.

ونحن في شركة فندق أبراج شركة مكة الفندقية (MCDC) جزء من هذا التوجّه المتسارع، الذي لا يهدف فقط إلى رفع الطاقة التشغيلية، بل إلى إعادة تعريف مفهوم الضيافة الدينية بما يجمع بين الأصالة والابتكار، الروحانية والانسيابية، الذكاء الصناعي واللمسة الإنسانية.

التحول الحقيقي الذي تشهده المملكة في هذا القطاع، لم يأتِ من فراغ. لقد تمّ التخطيط له بعناية، والبناء عليه بإصرار، حتى بات قطاع الحج والعمرة رافدًا اقتصاديًا فاعلًا، يحقق العوائد، ويوفّر الوظائف، وينشّط القطاعات المساندة من نقل وإعاشة وتغذية وصحة، بل ويمتد تأثيره إلى التجارة، والتقنية، والسياحة.

وما يلفت النظر أن بعض المشاريع الكبرى المرتبطة بخدمة الحجاج والمعتمرين، بدأت تُنجز قبل مواعيدها المحددة، سواء في البنية التحتية أو الخدمات اللوجستية، أو حتى في الجوانب التنظيمية والتشريعية. وهذا يعكس تحولًا ثقافيًا وإداريًا في كيفية إدارة المواسم، حيث باتت المعايير تعتمد على الكفاءة والابتكار والاستباقية، لا على التكرار الموسمي أو رد الفعل.

اليوم، نعيش عصر “الحج الذكي”، حيث تُدار الحشود عبر تطبيقات ذكية، وتُوزع الوجبات بإجراءات رقمية، وتُراقب جودة المخيمات ومرافق الإقامة بأنظمة استشعار وتحليل فوري، وتُقاس رضا الحاج من أول خطوة على أرض المملكة إلى لحظة مغادرته، بشفافية رقمية غير مسبوقة.

المملكة لا تسير في هذا الاتجاه وحدها، بل تُشرك القطاع الخاص بفاعلية، وتفتح أمامه فرصًا غير تقليدية للمساهمة في هذه المنظومة، التي تتطلب شراكة نوعية بين جميع الجهات. ومن هذا المنطلق، نحرص في MCDC على أن نكون في قلب هذا التحول، عبر إطلاق مبادرات تشغيلية مبتكرة، ورفع كفاءة الكوادر، واعتماد معايير جودة صارمة، نُعيد من خلالها صياغة تجربة الحاج والمعتمر من الداخل.

نحن لا نتحدث هنا عن موسمٍ ديني فقط، بل عن قطاع اقتصادي استراتيجي يرتبط بقيم دينية وإنسانية عالية، وهو ما يمنحه طابعًا فريدًا لا يشبه أي قطاع آخر. فخدمة الحاج مسؤولية، لكنها أيضًا فرصة وطنية لبناء تجربة ملهمة، ومورد متجدد للدخل، وأداة فعالة لتحقيق مستهدفات الرؤية في التنوع الاقتصادي والريادة العالمية.

ختامًا، نحن أمام مستقبل جديد للحج والعمرة، لا يعرف الحدود، ولا يخضع لمواسم، بل يتحرك بمنطق النمو المستمر، والتكامل المؤسسي، والتمكين البشري، نحو اقتصاد يقوم على القيم… ويقوده الإيمان بالتجديد.

• الرئيس التنفيذي لقطاع الحج بشركة فندق أبراج شركة مكة الفندقية (MCDC)

د. محمد حكيم

• الرئيس التنفيذي لقطاع الحج بشركة فندق أبراج شركة مكة الفندقية (MCDC)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى