المقالات

صاحبة الجلالة

في المفردات العربية، لا توجد كلمة بلا معنى خاص. فكلمة “جاء” مثلًا لا تعني “أتى” بحذافيرها. حيث إن “أتى” تدل على الإتيان بسهولة، بينما “جاء” توحي بالصعوبة والمشقة. وقد شرح هذا الفارق بدقة الدكتور العلامة فاضل السامرائي.
وحين تساءلتُ عن مذكر كلمة “امرأة”، وجدت أنها مرادفة لكلمة “مرء”، لكنها رغم ذلك لا تحمل معنى واضحًا بذاتها. فذهبت أبحث عن الجذر المشترك بين “امرأة” و”مرء”، فوجدتها تعود إلى ذات جذر “مروءة”.
والمروءة هي الشهامة والأخلاق، ويندرج تحتها حفظ العهد، والصدق، وصيانة العرض، والترفّع عن الدنايا، وأداء الحقوق، وكل خُلق نبيل.
لذلك تكون المروءة هي صاحبة الجلالة التي تحف عرشها الصفات السوية للشخص ذو الاخلاق.
قبل ايام جاذبت الحديث مع أحد من اراه من علماء العصر، وخضنا في حديث عن الشيخ الراحل عبدالعزيز بن عبدالله الزهراني ليلة وفاته، الشيخ أحد أصحاب السند المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي خضم الحديث، ذُكرت “خوارق المروءة” وهي التصرفات التي تُسقط عن المرء أهليته لرواية الحديث إن وجدت فيه.
ومن الأمثلة التي اوردها: أن رجلًا ذهب ليأخذ سند حديث من أحد المشايخ، فوجده يرفع ثوبه موهمًا بقرة بأن في يده علفًا ليجذبها نحوه. فانصرف الرجل وقال: إن هذا الشيخ ارتكب خارقة من خوارق المروءة، إذ كذب حتى على دابة!
ورغم أن خوارق المروءة البسيطة قد لا يُؤاخذ عليها عامة الناس، إلا أن التحلي بالمروءة كبيرها وصغيرها، سرا وعلنا، يبقى أساسًا لحفظ السمعة والكرامة. وهي أصل راسخ في النفس الصحيحة، لا يتخلى عنها إلا فاسد.
رحم الله الشيخ عبدالعزيز، فقد ذكّرنا بشيم أصحاب السند، الذين لم يُقبل فيهم إلا من تمت مروءته واكتملت سيرته.
وخلصنا مما تذكرناه وذكرناه، إلى أن من اعتنق الأخلاق، كانت فيه المروءة… صاحبة الجلالة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى