آراء متعددةأخبار العالم

هاني مسهور ينتقد حملات “الذباب الإلكتروني”: عرى فكري ومقابر جماعية للأخلاق

وجه الكاتب اليمني هاني سالم مسهور انتقادًا لاذعًا لما وصفه بـ”الهجوم المشبوه” من قبل “الذباب الإلكتروني” واللجان الممنهجة ضد المملكة العربية السعودية . وفي مقال تحليلي، عبّر مسهور عن خيبته من تحول منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة “عُري فكري” و”مقابر جماعية للأخلاق”، بدلًا من كونها فضاءات لحرية الرأي والتعبير.

حرية رأي لا يستحقها البعض”
يستهل مسهور مقاله بالإشارة إلى المفارقة التي عاشها العالم العربي، الذي طالما تغنى بشعارات حرية الرأي والتعبير. يقول الكاتب: “لطالما تغنّى العالم العربي بشعارات حرية الرأي والتعبير، وصدّع رؤوسنا بمقولات عن حاجة الشعوب إلى فضاء مفتوح للكلمة والموقف والرأي الآخر. لكن ما أن أُتيحت هذه المنصات، حتى تكشفت المأساة: المشكلة لم تكن في غياب الحرية، بل في غياب من يستحقها.”
ويضيف أن هذه المنصات تحولت إلى “ساحة عُريّ فكري، وانكشفت أعماق من الإسفاف، وضحالة في التفكير، وفراغ ثقافي مخجل.” الأدهى من ذلك، حسب مسهور، هو “جحافل بشرية مستعدة لبيع ضمائرها مقابل حفنة من الإعجابات أو فرصة للانتماء إلى قطيع إلكتروني تقوده غرف سوداء.”

الذباب الإلكتروني”: جريمة سياسية وأخلاقية وثقافية
يؤكد مسهور أن ما يُطلق عليه “الذباب الإلكتروني” ليس مجرد حسابات مزعجة، بل هو “أخطر ما أفرزته العقلية السياسية والأيديولوجية في منطقتنا.” ويصفه بـ”جيوش منظمة، تموَّل وتُدار عن بعد، هدفها تفتيت المجتمعات، ضرب الرموز، اغتيال الشخصيات معنوياً، وتزييف الوعي الجماعي.”
ويرى أن هذه الظاهرة ليست عفوية، بل هي “مشروع سياسي ممنهج” تقف خلفه “أجهزة، وتنظّمه جماعات، ويُحرّكه خطاب واحد: كل من يختلف معنا، يجب تشويهه، سحقه، وسحله معنويًا.” ويشير إلى تكرار الحملات التي تستهدف الصحفيين والمثقفين والشخصيات العامة لمجرد اختلافهم في الرأي أو دعوتهم للسلام.

تحويل المستخدم العربي إلى أداة ومستهلك للكراهية
يلفت الكاتب إلى أن “المستخدم العربي أصبح هو نفسه جزءًا من هذه المنظومة. من دون وعي، يُعاد تدويره كأداة. يشارك دون تحقق. يهاجم دون تفكير. يسحل دون أدنى معرفة بمن يُهاجمه.” ويختتم هذا الجزء بقوله: “لقد صرنا شعوبًا مستهلكة للكراهية، مُعاد تدويرها ضد بعضها البعض.”
ويشدد مسهور على أن “الذباب الإلكتروني ليس مشكلة فنية، بل جريمة سياسية وأخلاقية وثقافية. وما لم يتم مواجهته بمشروع مضاد، إعلامي وتربوي وقانوني، فإن المجتمعات ستنزلق أكثر نحو الفوضى المعنوية، وستبقى النخب الحقيقية مهددة، إما بالإسكات أو بالانسحاب.”

البعد الأيديولوجي والتحكم في الوعي
يتطرق الكاتب إلى البعد الأيديولوجي للظاهرة، مشيرًا إلى أن جماعات مثل الإخوان المسلمين، والمليشيات الطائفية، والأنظمة القمعية، أدركت باكرًا أن “السيطرة على المنصات الرقمية تعني التحكم في الوعي.” ولهذا السبب، “أسّست جيوشًا إلكترونية، درّبتها على لغة واحدة: التخوين والتشويه والتضليل.”
ويؤكد أن هذه الجماعات “لا تبحث عن الحقيقة، بل عن السيطرة. لا تؤمن بالحوار، بل بالتحريض. لا تطرح رأيًا، بل تُطلق حُكمًا.” وبالتالي، فإن من يواجه هذا الذباب “لا يواجه مجرد سباب، بل يواجه ماكينة منظمة تهدف إلى سحقه نفسيًا واجتماعيًا.”

“مقابر جماعية للأخلاق” وتلوث العقول
يصف مسهور وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي بأنها أصبحت “مقابر جماعية للأخلاق، ومنصات مفتوحة لبثّ السموم.” ويرى أن هذه المنصات لم تعد مساحة للنقاش، بل “تحوّلت إلى حقول ألغام. تغريدة قد تُكلّف صاحبها كرامته، مقاله قد يجرّ عليه جيشًا من الشتّامين.”
ويحذر من أن الذباب الإلكتروني “لا يكتفي بتشويه الأفراد، بل يسهم في إعادة تشكيل وعي الجماهير عبر الأكاذيب.” ويتم تسويق الجهل على أنه رأي، والشتيمة على أنها شجاعة، والخيانة على أنها وعي سياسي، “وهكذا تتلوث العقول، وتُختطف الأجيال، وتغرق المجتمعات في مستنقع لا قاع له.”
ويختتم الكاتب اليمني مقاله بالقول إن الجريمة ليست فقط في من يغرد، بل في من يخطط ويمول ويصمت ويبرر ويسكت هذه الجيوش. ويدعو إلى إعلام يفضح، وقوانين تحمي، وخطاب يربي، مؤكدًا أن المجتمعات لا تنهض بالشتم، بل بالفكر والحوار والاحترام. ويطرح سؤالاً جوهريًا: “هل نحن أمام لحظة صدق مع الذات؟ هل نعترف أن الكثير مما يُقال باسم الشعب، لا يمثل إلا فئة مسيّرة، تُدار عن بعد؟ هل نملك الجرأة لنقول إننا فشلنا في اختبار الحرية حين أُتيحت لنا؟”
ويختتم مسهور مقاله بتحذير شديد: “لا حرية مع الذباب، ولا وطن مع الشتائم، ولا مستقبل في ظل عقل مُستباح بالكراهية، لا يمكن استعداء كل الشعوب العربية فلم يسلم شعب من الشعوب من جيوش الكراهية المصابة بأمراض البغض لكل ما هو آخر من منطق الاحتكار والاستقواء وتوظيف المكانة الدينية في غير مكانها.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى