منذ أن اختصّها الله بشرف خدمة الحرمين الشريفين، والمملكة العربية السعودية تسطّر في كل عام صفحةً جديدة من المجد، وتجدد عهدها الراسخ بأن خدمة ضيوف الرحمن ليست مجرد إجراء إداري أو التزام مؤسسي، بل هي رسالة إيمانية، ومسؤولية تاريخية، وشرفٌ عظيمٌ اصطفاها الله به دون سواها.
فما إن يُسدل الستار على موسمٍ، حتى تُفتح صفحة الاستعداد لما يليه دون إمهال. وبمجرد أن يخطو آخر حاجٍّ خارج أرض المشاعر، تبدأ المملكة ــ بمنظومتها المتكاملة ــ في تأمل التجربة، وتوثيق ما مضى، والتقاط ملامح التحسين، وتشكيل اللجان، وكأن الموسم التالي يستعجل الوصول.
وفي كل عام، تستنفر المملكة جهودها من جديد، وتتوحد مختلف القطاعات ــ بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان ــ لتجعل من رحلة الحج تجربة إيمانية خالصة، مفعمة بالسكينة، خالية من العناء. تتكامل فيها الجهات الأمنية والطبية والخدمية والتقنية، في تناغم لا مثيل له، ونموذج حضاريّ فريد يشهد له القريب والبعيد.
المشاعر المقدسة تتحول إلى لوحة تنظيمية فائقة الدقة، ووسائل النقل الذكية تزداد تطورًا وسعة، والتقنيات الرقمية تُسخّر لتسهيل الإجراءات، والمشاريع الإنشائية لا تهدأ ــ في مكة، والمدينة، والمشاعر ــ ضمن منظومة لا تعرف التباطؤ، وقيادة لا تقبل إلا بالكمال في خدمة الحاج، وتأمين أمنه وراحته.
تتسع الرؤية، ويعلو الطموح، ويتجدد العهد في كل موسم، لتُثبت المملكة أن خدمة الحجيج ليست ظرفًا موسميًا، بل مشروع وطني مستدام، وروح متجذّرة في هوية الدولة وقيادتها وشعبها.
وإن كانت وسائل الإعلام قد أشادت، وعدسات المصورين قد رصدت، وألسنة الحجاج قد أثنت… فإن الجهود أوسع من أن تُختزل في العبارات، وأعظم من أن توفيها الأقلام، أو تحتويها المقالات.
وهكذا يظل الحج في اطهر البقاع… سكينةً في التنظيم، وبهاءً في الخدمة، ومجدًا متجددًا يرويه التاريخ، ويشهد به الزمان…
• مديرة الاتصال المؤسسي كلية الباحة الأهلية للعلوم