مشهد ثقافي جميل لاح في أفق الرياض.. ارتسم بأبعاد عميقة تُنِيرُ دروب الثقافة التي استعادت شبابها البهي بتألق الكلمة، وشَدْو النغم.. وتباهي الحروف في الحفل الختامي لمبادرة الشريك الأدبي في نسخته الرابعة الذي أقامته هيئة الأدب والنشر والترجمة، أنشدت قصيدة شعرية فأطربت.. وحكت قصصًا لطيفة باسمة.. وكتبت فصول رواية فشدّت القلوب لأحداثها.. ولا تزال الرواية في بدايتها.. فالقادم من عبق الثقافة أجمل وأبهى..
إن مبادرة الشريك الأدبي هي ومضة من ومضات وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة لتحقيق الرؤية الثقافية للمملكة ٢٠٣٠ التي ترى أن الثقافة هي إحدى مقومات جودة الحياة، لذا جاءت هذه المبادرة لتخلق مساحة لدعم المثقفين والأدباء، وتقديم خيارات ثقافية لتقريبهم أكثر إلى المجتمع؛ إذ تسعى إلى الترويج الثقافي والأدبي بعقد شراكات مع المقاهي المنتشرة في ربوع المملكة لكونت شبكة ثفاقية ضمّت ثمانين مقهى على فئات مختلفة، تنافست على هدف سامٍ، ونطقت بحرف واحدٍ هو رفع الوعي الأدبي والثقافي بجعله قريبًا من جميع فئات المجتمع بعدما كان الأدب رفيقًا للمكتبات، باذلة الجهد في تحقيق أهدافها بأن تُعزّز قيمة الأدب في المجتمع، وأن تكون الثقافة أسلوبًا لحياة المجتمع؛ إذ أصبحت لقاءات أهل الأدب والثقافة تنشر كل مساء عبقها، بعد زمن كانت تتوشح فيه رداءً متنحيًا عن المجتمع، وقد وَجَدَ الأديب والمثقف شعلة تضيء له بما تحكيه حروفه بعيدًا عن الورق وأثير التواصل. معززة القطاعات الخاصة التي كانت تعمل بهدوء في عالمها الحالم الخاص لتكون مصباحًا يتوقد في زوايا المقاهي، ملهمة المثقفين والكّتاب لأن يبحروا بثقافتهم في أحضان المجتمع.
وقد حلّقت الجائزة المقدمة في هذا المحفل الكبير بين مدن المملكة لتُثبت أن الإبداع الثقافي ليس محصورًا على منطقة واحدة، ولا ينبع من مكان واحد. وفي الرياض (عاصمة الثقافة) كان التنافس بين المقاهي كبيرًا، فتجدها تنبض في اللحظة الواحدة ببرامج ثقافية ولقاءات أدبية معًا، فتتزامن في طرحها شبه اليومي، فكنا نفتقد حضور الكثير من اللقاءات لأنها كانت توافق لقاءً آخر لا يقل قيمة بمكان ولا اسم مقدم للقاء، وإن فصل بينهما الزمان أعاقنا عن الوصول بُعد المكان..
ورغم التنافس الشديد بين مقاهي الرياض، بكل فئآتها وخصوصًا الفئة ( أ ) إلا أنها قد غابت عن الجائزة، مما أحزن قلوب مرتاديها قبل أصحابها؛ إذ عشنا روح التنافس، ورأينا الجهد الكبير الذي قدمه أصحاب المقاهي في تهيئة المكان؛ ليكون مساحة ثقافية راقية، واستقطاب رموز الأدب المتميزين بثقافتهم وجماهيريتهم، وامتلاكم فريقًا محترفًا ومتمكنًا من تنظيم الفعاليات والإعلان عنها.. ولكن هي الحياة.. لكل مجتهد نصيب.
وقد سرح بي هذا الغياب لطرح تساؤل: لمَ لا تُخصص الجائزة فرعًا لعاصمة الثقافة؟ ليس تحيزًا لكن الواقع أن الرياض تُشكل محورًا ثقافيًا كبيرًا على مستوى المملكة، فمساحاتها الشاسعة مُتربعة في وسط المملكة، وهي الحضن الكبير لمعظم أدباء ومثقفي المملكة من شرقها لغربها وشمالها لجنوبها، الذين عاشوا فيها حتى أصبحوا من أهلها!
مبارك لكل من نال جائزة فكان الفخر أن حلقت إليهم.. ومبارك لبقية ٨٠ جسرًا لتألق حضورهم.. فدون مشاركتهم لم تكتمل الصورة ولم يُضاء المشهد.. وشكرًا لوزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة.. فقد أعدتم النبض لروح الأدب الذي بات طويلًا فوق الرفوف.