الرئيس الاميركي دونالد ترامب رجح يوم 12/6/2025 أن توجه إسرائيل ضربة لإيران، لكنه أكد أنه لا يريد أن تقوم إسرائيل بذلك، وأعرب عن تجنب الصراع مع طهران، وفي مؤتمر صحفي أكد أن هذه الضربة الإسرائيلية وشيكة، لكن ذلك يبدو أمرا قابلا للحدوث واستدرك قائلا أود تجنب الصراع سيتعين على إيران التفاوض بجدية أكثر، مما يعني أنها ستضطر إلى تقديم شيء لا ترغب في تقديمه لنا حاليا، وجدد دعوته لإسرائيل إلى عدم توجيه ضربة إلى إيران، مؤكدا أن واشنطن وطهران قريبتان من التوصل إلى اتفاق نووي.
هناك جولة سادسة يوم الأحد في 15/6/2025 في سلطنة عمان وصرح ترامب لا أريد إسرائيل أن تتدخل، لأنني أعتقد أن ذلك سينسف الأمر برمته، مثل هذه التصريحات المتناقضة أعطت في ظاهرها تطمينا لإيران، خصوصا وأن أي ضربة تأتي ستكون في الأغلب بعد فشل المفاوضات، فيما المفاوضات جارية، لم يتنبه عراقجي وزير خارجية إيران إن قرار الوكالة الذرية رسالة لإيران لكن عراقجي صرح قائلا سيزيد قرار الوكالة من تعقيد المحادثات النووية مع الولايات المتحدة المتوقع إجراؤها يوم الأحد 15/6، وسط مخاوف غربية من مساع لطهران لتطوير أسلحة نووية، وهو ما تنفيه إيران.
تخصب طهران اليورانيوم بالفعل إلى درجة نقاء تصل إلى نسبة 60%، ويمكن رفع هذه النسبة بسهولة إلى نحو 90% وهي الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة، ويظهر معيار الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لديها كمية من المواد عند هذا المستوى تكفي لصنع 10 أسلحة نووية إذا واصلت تخصيبها، وأفادت الوكالة أنها لا تستطيع تقديم ضمانات بأن برنامج إيران النووي سلمي تماما، مؤكدة أنه لا يوجد بلد آخر خصب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي دون إنتاج أسلحة نووية، كما أثار إعلان إيران عن منشأة ثالثة جديدة لتخصيب اليورانيوم يوم الخميس 12/6 تحد لقرار وكالة الطاقة الذرية ردود فعل دولية اعتبر تحد لوكالة الطاقة الذرية.
جعل إسرائيل تباغت إيران بتحقيق أهم أهدافها بقتل القادة العسكريين وضرب مفاعل نطنز يوم الجمعة 13/6/2025، لكن من يتابع إدانة الوكالة الذرية إيران بعدم الامتثال لمعاهدة حظر الأسلحة، صدر التقرير يوم الخميس في نفس اليوم الذي عقد فيه ترامب المؤتمر الصحفي وأيدت النص الذي أعدته لندن وباريس وبرلين وواشنطن 19 دولة من أصل 35، فيما رفضت الصين وروسيا النص، وهذه الخطوة الأولى من نوعها بعد 20 عاما، ما ينذر بتفعيل العقوبات الأممية مجددا على طهران اتخذته إسرائيل غطاء لعملياتها ضد إيران، استطاعت القضاء على رأس مشروع إيران النووي والعسكري، وتدمير مفاعل نطنز أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم، قلب المشروع النووي الإيراني، حيث تخشى إسرائيل إذا توصلت إيران إلى القنبلة النووية ستحصل السعودية من أجل تحقيق توازن الردع، وكذلك مصر وتركيا.
منذ زيارة ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات من أجل البناء والتنمية وعقد شراكات مع الولايات المتحدة من أجل أن تتحول دول الخليج إلى قطب اقتصادي، وأن يتحول الانفاق إلى استثمار استراتيجي يقلب الموازين في المنطقة لصالح المنطقة والعالم، ذهب البعض إما جهلا أو تعمدا إلى أبعد من تلك الأهداف مدعين أن الأموال ذهبت هباء، وأن الخليج خدع باسم الحماية والدفاع.
يبدو أن المعادلة انقلبت وتكشفت الحقيقة، وما سمي عبثا ماليا بل هو تحول إلى استراتيجية ناعمة وضربة قاصمة، وكتابة فصل جديد من تاريخ المنطقة، فيما العملية العسكرية الإسرائيلية ليست مجرد عملية عسكرية نيابة عن الغرب، بل إعلان بانهيار المشروع الإيراني من الداخل والخارج، بسبب أن إيران تعيش مأزق تفعيل القوة، تمتلك صواريخ لكنها مرتهنة بمعادلات ردع متبادلة، استخدامها الكثيف يفتح الباب أمام توسيع نطاق الحرب الإقليمية وقد تنزلق إلى حرب عالمية، فيما المحدودة يفقدها ميزة الردع.
لم تكن الضربة الإسرائيلية تقليدية في بعدها الناري، بل اختراقا للسيادة الخوارزمية التقنية الأمنية والنووية لإيران، فهي ليس فقط لحظة انكشاف بنيتها الأمنية بل إنها لحظة انكشاف العقل الإيراني الذي ركز على التوسع الخارجي الأيديولوجي على حساب صلابة المكانة الداخلية، كشفت تلك الاستراتيجية عن هشاشة البنية الداخلية أمام الضربات الإسرائيلية، خصوصا وأن استهداف القادة العسكريين نتج عنه تفكيك الذاكرة العملياتية وخرائط النفوذ ومرجعيات القرار، شل قدرات إيران أمام الضربات الأخرى، بسبب تلك الاستراتيجية لا تمتلك إيران جيشا نظاميا تقليديا، بل جهاز مبني على الحرب غير المتماثلة غير قادر على مواجهة قوة صلبة.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com