✍️ جمعان البشيري
جزى اللهُ الشدائدَ كل خيرٍ
و إن كانت تُغصِّصني.. بريقي
ومـــا شكري لهـا إلاّ.. لأني
عرفتُ بها عدوي من صديقي.
رسم الشاعر خلاصة الحكمة: أن الشدائد لا تأتي عبثًا، بل تحمل معها غربالًا يكشف معادن الناس. ففي كل أزمة، تُهتك الأقنعة،وتُفضَح السرائر،ويُعرَف الصديق من المدّعي، وتُبصر القلوب الصادقة وسط ظلام الاختبارات
تُصنع المواقف لتُعرَفَ بها الرجال ؛ ولعلّ أجمل القصص هي تلك التي لا تُروى بالكلمات، بل تُكتب بمواقف لا تُنسى. حدث أن تعطل أحدهم بسيارته على قارعة الطريق، فتجاوزته عشرات المركبات، إلا راعي أغنامٍ بسطٍ، وقف وسأل: “ألك حاجة؟”، فكان موقفه البسيط أعظم من أعذار المترفين. هكذا هي الحياة… لحظة عابرة قد تخلّد إنسانًا أو تفضح آخر.
الحياة لا تُقاس بطولها، بل بما مررنا به فيها من مواقف. هي صفحات متقلبة، يملؤها الفرح تارة، وتضيق بنا ألمًا تارة أخرى. كل موقف نعيشه يحمل درسًا، وكل مشهد نمر به يرسم فينا تغييرًا. بعضها يعبر سريعًا، وبعضها يترك ندبة لا تُمحى.
المواقف ليست مجرد أحداث، بل هي محطات تكشف قيمة جوهر الإنسان. فمن الناس من يثبت عند الشدة، ويظهر كرمه عند العسر، وتتلألأ مروءته في الظلمة، ومنهم من يذوب في أول اختبار كما يذوب الملح في الماء. عند أول موقف حقيقي، تظهر الأكتاف التي يُستند عليها، والقلوب التي تنبض صدقًا لا مصلحة.
كم من كلمة قيلت في موقف عصيب، غيّرت مسار حياة كاملة! وكم من عونٍ قُدّم في لحظة ضعف، أنقذ إنسانًا من هاوية! الحياة مليئة بأشخاص لا يُدركون أثرهم، لكن مواقفهم تبقى حيّة في ذاكرة من عبروا معهم الألم أو الفرح. هي الحياة، لا تُروى بالأيام، بل بالمواقف التي جعلت قلوبنا تخفق، وعيوننا تدمع، وأرواحنا تتبدل.
هناك وجوه للمواقف تتراوح : بين الألم والفرح ؛ ليست كل المواقف محببة، فكما أن منها ما يزرع فينا الأمل، فهناك ما يتركنا نحمل وجعًا لا يُقال.
نتلقى المواقف كلٌّ بحسب طباعه: فمن الناس من يصنع من الألم درسًا، ومنهم من يكسره الحزن، وهناك من يخلق من الفرح نورًا يمتد لمن حوله.!
في نهاية المطاف، هل نحنُ أهل للمواقف ؟ الحياة لا تسألنا عن عدد سنواتنا، بل تسأل: ماذا فعلت حين وقف أمامك محتاج؟ حين قُدّمت لك فرصة؟ حين خذلك من كنت تحسبه سندًا؟
فهل نعرف أنفسنا عند المواقف؟ وهل نحن حقًا من نظن أننا عليه، أم أن المواقف وحدها من تملك الجواب؟ وهل نترك في كل موقف مررنا به أثرًا يستحق أن يُروى؟
همزة وصل :
الحياة مواقف… فاختر لنفسك موقفًا يليق بك حين تُذكر.