المقالاتعام

رحلة النور في سورة يوسف: دروس العفاف والقيادة والصبر

في عالم يضج بالتساؤلات ويضيق فيه الأفق حين تعصف المحن يطل علينا الأستاذ الدكتور حسن محمد باجودة من خلال كتابه “تأملات بسورة يوسف” كأنما يهدينا مصباحاً ينير دروب الحائرين ويهمس في آذان المتعبين بأن وراء كل حزن جمالاً ووراء كل محنة منحة.

هذا الكتاب ليس مجرد تفسير تقليدي بل رحلة روحية تأملية تغوص في أعماق السورة تستخرج منها درراً من المعاني النفسية والتربوية والقيادية بأسلوب رشيق يزاوج بين رصانة العلم وشفافية القلب إنه ليس شرحاً بقدر ما هو مكاشفة وليس تأويلاً بقدر ما هو تجل.

يوسف: الإنسان قبل النبي

ينجح الدكتور باجودة في أن يعيد تقديم شخصية يوسف عليه السلام بمنظور واقعي حي ليس فقط كنبي مصطفى عليه السلام بل كإنسان مر بمراحل الألم والغدر والشوق والانكسار ليكون مرآة لكل من ذاق مرارة الظلم أو عانى من تقلبات الحياة. يوسف ليس مجرد قصة تروى بل منهج حياة تتجلى فيه قيم العفاف والحكمة والثبات والرحمة.

لغة الكتاب: عندما يكتب القلب

اللغة في هذا الكتاب تحمل روحاً تشبه حديثاً صادقاً بين صديقين مليئة بالتأملات الهادئة لا الفتاوى الجافة. يترك لك الكاتب مساحة كي تفكر ويأخذك برفق إلى معاني قد تكون قرأتها من قبل لكنك لم “ترها” حقاً. كل جملة فيه كأنها قطرة مطر على قلب عطش.

رؤية تجديدية بلا تكلف

ما يميز هذا العمل أيضاً هو قدرته على تقديم قراءة معاصرة دون الخروج عن روح النص أو ثوابت الفهم القرآني. فبين طيات السطور تشعر أن سورة يوسف تقرأ وكأنها نزلت الآن في زمننا تعالج ذات الألم وتواسي ذات القلب وتبني ذات الإنسان.

القيادة في ظل المحنة

ينتقل بنا المؤلف ببراعة من يوسف السجين إلى يوسف الوزير ليقدم دروساً في القيادة القائمة على المبادئ لا المصالح. وفي زمن التهافت على المناصب يبرز الكتاب كيف أن القائد الحق هو من صبر وارتقى واستحق المكانة لا بالسعي لها بل بالصبر والثبات والإحسان.

رسالة أمل تتجاوز الزمان

“تأملات بسورة يوسف” ليست فقط دراسة قرآنية بل رسالة أمل موجهة لكل قلب مكسور ولكل حلم مؤجل ولكل روح تنتظر الفرج.
هو كتاب يقول لنا إن جمال النهاية لا يأتي إلا بعد صبر البداية وإن الله لا يخذل من أحسن حتى ولو بدا المشهد مظلماً.

في النهاية هذا الكتاب ليس مجرد صفحات تقرأ بل محراب تأمل يقام فيه حوار بين الإنسان وربه بين العقل والنص بين القلب والحكمة. إنها دعوة لنقرأ القرآن كأننا نعيشه لا كأننا نمر عليه مرور الكرام.

الأستاذ الدكتور حسن محمد باجودة بهذا العمل لا يفسر السورة فحسب بل يوقظ فيها الحياة ويوقظنا معها.

• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى