
✍️جمعان البشيري
في زمنٍ تتسارع فيه المتغيرات، وتزداد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، لم يعد مفهوم “الاستدامة” حكرًا على البيئة وحدها، بل أصبح مبدأً شموليًا يُبنى على أسس مترابطة تشمل التمكين، والتكامل، وصناعة الفرص.
وهي ثلاثية لا غنى عنها لأي دولة تطمح إلى بناء مستقبل متوازن يحقق الازدهار دون أن يُفرّط في العدالة، أو يُهدر الموارد دون حساب.
أولًا: التمكين…من الشعارات إلى السياسات الفاعلة
التمكين ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية. تمكين المرأة، على سبيل المثال، لم يعد في المملكة العربية السعودية مجرد عنوان إعلامي، بل تحول إلى واقع تنفيذي. لقد أُعيد تعريف الأدوار والفرص، ودُعّمت الكفاءات النسائية في مجالات القضاء، والاقتصاد، والدبلوماسية، والهندسة، والتعليم.
أما تمكين الشباب، فهو مفتاح التحول الحقيقي. فبقدر ما يُمنح الشاب من ثقة وقدرة على اتخاذ القرار وصناعة الحلول، بقدر ما يكون شريكًا في الإنجاز لا مجرد متلقٍ للنتائج. والأمثلة كثيرة ولعل أهمها “رؤية 2030” و “برنامج تنمية القدرات البشرية ” جاءت لتعيد هندسة مفهوم التمكين كمسار ممنهج لا مبادرة طارئة.
ثانيًا: التكامل… هو إنهاء عصر الجزر المنعزلة
لا يمكن لأي جهة أو قطاع أن يحقق الاستدامة منفردًا. التكامل بين القطاعين العام والخاص، وبين المؤسسات الأكاديمية وسوق العمل، هو مفتاح النجاح لأي مشروع وطني مستدام. حين تعمل الجهات بتنسيقٍ حقيقي، لا توازيًا نظريًا، تظهر النتائج بفعالية وسرعة.
وفي هذا الإطار، يُعد قطاع الطاقة المتجددة في السعودية نموذجًا حيًّا على التكامل الفعّال. بين وزارة الطاقة، وشركة ” أرامكو”، وصندوق الاستثمارات العامة، وهيئة المدن الصناعية، تتشكّل شراكات استراتيجية تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز الأمن البيئي، ودعم الاقتصاد الوطني.
ثالثًا: تكافؤ و صناعة الفرص… حين تصبح العدالة شرطًا للنهضة
لا يمكن الحديث عن الاستدامة في ظل توزيع غير عادل للفرص؛ فالفرص لا تعني فقط الوظائف، بل تشمل التعليم،والتدريب، وريادة الأعمال، والمشاركة الاجتماعية والسياسية؛ فالمجتمع الذي تُحصر فيه الفرص داخل دائرة ضيقة من العلاقات أو الانتماءات، هو مجتمع معرّض للاختناق والركود.
إذاً عندما نتحدث عن الاقتصاد فيجب أن نؤمن بأن الفرص لا تُمنح فقط، بل تُصنع، ويجب أن تكون جزءًا من هيكل التنمية، وإلا تحوّلت إلى امتيازات نخبوية تُغذّي الفوارق وتُضعف المجتمعات؛ فالاستدامة تبدأ عندما يشعر كل فرد أن له مكانًا في مشروع الوطن؛ عندها نستطيع أن ننطلق نحو ثقافة استدامة لا مجرد أهداف مرحلية؛ فالاستدامة لا تبدأ من السياسات وحدها، بل من الثقافة حين نغرس في النشء قيم الاعتماد على الذات، ونُعزز في الشباب روح المبادرة، وندرب الكبار على التفكير التشاركي، نكون قد وضعنا الأساس لمجتمع يُنتج الفرص ويصونها، بدل أن يستهلكها وينتظر غيره.
إن تحقيق الاستدامة لا يعني فقط الحفاظ على الموارد، بل هو بناء منظومة تُعيد توزيع الأدوار، وتُنسق بين القطاعات، وتُتيح الوصول إلى الفرص بعدالة. وكلما كانت هذه الدعائم حاضرة بوعي في السياسات الوطنية، كان الطريق إلى التنمية أكثر ثباتًا، وأقل تكلفة..!
همزة وصل:
التمكين، والتكامل، وصناعة الفرص، ليست مفاهيم تكميلية في خطط التنمية، بل هي دعائم جوهرية لبقاء المجتمعات حيّة، مرنة، ومنتجة. ومتى ما أصبحت هذه المبادئ واقعًا متجذرًا في التخطيط والقرار، فإن الاستدامة لن تكون مجرد هدف… بل أسلوب حياة






