المقالات

المجتمعات محكومةٌ باتجاه حركتها

إن أوضاع الأمم محكومةٌ باتجاه حركتها؛ فالمجتمعات تشبه ركَّاب باخرة أو قطار؛ إنها تتحرك بشكل تلقائي؛ فكل جيل يكرر ما ورثه من الجيل الذي قبله؛ وبهذا تبقى حركة المجتمع دائرية في نفس المكان؛ فتظل المجتمعات متخلفة مهما ضاعفت عدد مؤسسات التعليم، ومهما كثُر عدد المتعلمين؛ إن الازدهار يتطلب تغيير اتجاه حركة المجتمع والانفصال عن المسارات القديمة. إن المجتمع الذي يبقى يتحرك دائريًّا؛ سوف يبقى في مصيدة التخلف مهما كثُر عدد المتعلمين فيه؛ ففي بداية نهضة الغرب؛ تغيَّر اتجاه الحركة أولاً ثم جاء تعميم التعليم لاحقًا بعد وقت طويل جدا من حصول تغيير اتجاه حركة المجتمع. إن تعميم التعليم في الغرب جاء ثمرةً للتغير الذي تَحقَّق فعلًا؛ ولم يكن التعليم سببًا للتغيُّر؛ وإنما بعد أن حصل التغيُّر برزت الحاجة إلى تعميم التعليم لتوفير عاملين في مختلف قطاعات العمل.
إن نجاح التنمية، وتحقيق الازدهار لأي مجتمع؛ هو نتاج التوجُّه العام لأي مجتمع، إنه ثمرةُ حشدِ طاقةِ المجتمع في اتجاهِ التنمية الصناعية، والتقنية، والاقتصادية؛ ففي الغرب حصل التوجُّه والانطلاق قبل تعميم التعليم بزمن طويل؛ إن الغرب حين انطلق يستعمر العالم في بداية القرن السادس عشر؛ لم يكن ذلك بسبب تفوُّقٍ في التعليم، لقد حقق ذلك قبل أن يقرر تعميم التعليم بزمن طويل. لذلك فإن اليابان قد ازدهرت بسرعة لأنها أدركت سر التطور الغربي؛ فوجهت طاقتها في نفس الاتجاه الذي اتخذه الغرب. وحين وصل الزعيم دينغ كسياو بينغ إلى قيادة الصين؛ استطاع بسرعة أن يغير اتجاه حركة المجتمع ففجر الطاقات الكامنة في الشعب الصيني فحقق في سنوات قليلة ما لم يحققه الغرب إلا في قرون. إن ما يجب أن يكون واضحًا للجميع هو أن أوضاع الشعوب محكومة باتجاه حركتها؛ إن تعميم التعليم لا يخلق الازدهار؛ وإنما حين يتحرك المجتمع باتجاه الازدهار تبرز الاحتياجات إلى تعميم التعليم؛ فالحاجة إلى أنواع من التعلُّم؛ هو الذي يدفع إلى المبادرة لإيجاد متعلمين لسد الحاجة؛ فالحاجة تأتي أولا. أما المجتمعات التي عممت التعليم قبل أن تحدِّد المجالات التي هي بحاجة إلى عاملين تنفيذيين؛ فإنها بقيت متخلفة تدور في نفس مسارات التخلف القديمة.
إن تعميم التعليم هو أضخم مشروع في العالم، لقد اختلفت الأمم على كل شيء لكنها اتفقت على ضرورة تعميم التعليم؛ فكل الدول تنفق على تحقيق تعميم التعليم إنفاقًا قد يجعلها تتحمل المجاعات من أجل أن يتوفر التعليم للجميع؛ ظنًّا أن سر الازدهار يكمن في التعليم. أما الحقيقة فهي أن كثرة المتعلمين لا تخلق الازدهار بل الذي يخلق الازدهار هو تغيير حركة المجتمع والانفصال عن مسارات التخلف واستئناف السير في مسارات مغايرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى