المقالات

نزعة الشر هي البداية … ليس الطائفة ولا العرق

في سورية، كما في معظم مجتمعات الصراعات، دائمًا ما تُقدَّم التبريرات الطائفية أو العرقية كسبب رئيسي للعداوات والاقتتال.
لكن الحقيقة الأعمق والأكثر وضوحًا هي أن الدين لا يصنع الدم، ولا الطائفة هي وقود العداء، ولا العرق هو منبع الحقد.

الجذر الحقيقي لكل هذا الخراب هو نزعة الشر الكامنة في النفوس المريضة، والرغبة في إلغاء الآخر وإقصائه من الوجود.
هذه النزعة لا تعترف بوجود شريك، ولا تقبل باختلاف، بل تبحث عن التفوق والاستئصال، وتختلق الذرائع لتُبرّر ذلك.

الأقنعة التي يرتديها الحقد

نزعة الشر لا تظهر دائمًا بوجهها الصريح، بل ترتدي أقنعة مختلفة بحسب السياق:

حين يكون المجتمع متدينًا، يتحول الحقد إلى طائفية.
يصبح الدين أداة تمزيق لا وسيلة سلام. تُرفع شعارات المذهب والطائفة لتبرير الكراهية وشيطنة الآخر، وكأن الخلاف في العقيدة هو ترخيص بالدم.
وعندما تتفق الأديان وتتراجع الانقسامات الطائفية، يظهر الحقد مغطى بعباءة العرق أو القومية.
تُرفع شعارات العروبة أو الكردية أو التركمانية أو السريانية، لا لتمجيد التنوع، بل لتكريس عنصرية جديدة تحت غطاء الانتماء القومي.
وإذا تجاوز الناس صراعات الدين والعرق، يجد الحقد طريقًا آخر في تقسيم المجتمع إلى عشائر وبطون وعوائل.
يتحول الخلاف من طائفة إلى عشيرة، ومن عشيرة إلى بطن، ومن بطن إلى بيت.
وحتى داخل البيت الواحد، لا تسلم العلاقات من نزعات الكره والتفوق.
من يريد الدم سيجد مبررًا له دائمًا.
الدين، الطائفة، العرق، العشيرة… كلها تصبح أدوات في يد من يتبنى نزعة الإلغاء والاستئصال.
في المقابل، من يريد السلام لن يرى في الطائفة أو العرق أو العشيرة حاجزًا، بل سيبحث عن إنسانية الإنسان، وسيحترم الاختلاف باعتباره شرطًا من شروط الحياة.
ما نحتاجه هو قتل الحقد لا قتل البشر
إذا أرادت سوريا أو أي مجتمع الخروج من دوامة العنف، فعليها أن تواجه الحقيقة المؤلمة:
المشكلة ليست في الدين أو العرق، بل في من يستثمرهما لإذكاء الحقد والقتل.
نحتاج إلى تفكيك هذه البنية الذهنية المريضة التي تبحث عن أي غطاء للكراهية، ونحتاج إلى ثقافة تؤمن أن إنسانية الإنسان أهم من أي انتماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى