في حياة الإنسان محطات، تتأرجح بين “لو” و”لكن”…
“لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت” ليست جملة ندم، بل هي لحظة وعي، ووقفة مراجعة.
لحظة يسأل فيها الإنسان نفسه: ماذا لو عادت بي الأيام؟ ماذا لو عرفت حينها ما أعلمه الآن؟
لكن الحكمة تتجلى في الجملة التالية التي تغلق أبواب الندم وتفتح نوافذ التسليم:
“ولكن: قدر الله وما شاء فعل”
مفترق الندم والرضا
الناس يعيشون تجاربهم على وجهين:
وجهٌ يتأمل الماضي بتنهيدة حسرة: “لو أنني اخترت غير هذا الطريق”
ووجهٌ آخر يتأمل الماضي بذات التنهيدة، لكن بنور الإيمان: “لكنه قدر الله، ولعل في ما حدث الخير كله”
هنا ينهزم الحزن أمام الرضا، وينكسر الأسى أمام عظمة الحكمة الإلهية، ويقف الإنسان بين ما فاته وبين ما
قسمه الله له، فيختار أن يبتسم للمستقبل، لا أن يبكي على الماضي.
“لو” ليست ضعفاً .. ولكن الوقوف عندها هو الضعف
نعم، أن تقول “لو” من باب التعلم والبصيرة، فهذا نضج.
لكن أن تسكن فيها، وتبني حولها أسواراً من الندم، فهذا قيد يثقلك عن المضي قدماً.
فالمؤمن يتعلم من خطئه، ويعيد حساباته، ولكنه لا يتبرم من أقدار الله، ولا يعيش أسير الماضي.
في قلبه تسليم، وعلى لسانه:
“اللهم لا إعتراض، ولكن علمني، قوني وخذ بيدي لما فيه الخير”
قوة الرضا… وجمال الحكمة
ما أجمل أن تقف بعد عثرة وتقول:
“لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لاخترت غير الذي كان لكن… قدر الله وما شاء فعل”
تلك ليست هزيمة، بل بطولة. بطولة من نوعٍ مختلف، تروى بالدمع، وتكتب بالحكمة، ويشهد عليها القلب قبل اللسان .. فالرضا لا يعني الرضوخ، بل هو فهم عميق لمعنى التدبير الإلهي.
هو إيمان بأن الله يعلم وأنت لا تعلم، وأن الخيرة فيما اختاره الله، ولو لم تدركها الآن.
رسالة للمستقبل:
إلى كل من مر بتجربة مؤلمة، بقرار نادم عليه، أو طريق ما كان يظن أنه سيؤذيه ..
لا تسجن نفسك في قفص “لو”، ولكن اجعلها مرآة للتعلم.
ثم امض إلى الحياة بيقين:
“قدرُ الله وما شاء فعل… ولعلّ الله أراد لي بهذا خيراً لم أره بعد.”
إذا أغلقت الأقدار باباً في وجهك، فلا تظل واقفاً أمامه طويلاً .. فربما كانت رحمة، وربما كان خلفه ما لا يناسب روحك .. وربما فتح لك باب آخر لا يفتح إلا لمن عرف كيف يرضى ويسير ويحسن الظن بالله.
“لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لكن قدر الله وما شاء فعل ”
قول يختصر الحكمة كلها
• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس


